التصوف يبدأ من
الرفض أو من كلمة "لا" يقولها لضحالة المادة ودناءتها.
هي جهاد دائم
ضد النفس وضد ميولها ونزواتها أي قمع الرغبة في الرضوخ للمادة التي قد تسقط
المتصوف في درك الانحلال، إنها ثورة الأعماق على السطوح.
الصوفية هي صنف
من أصناف الهجرة فالمتصوف يجيد فن النزوح صوبَ المتعاليات، من الأسفل إلى الاعلى
ومن الأرض نحو السماء. إنها غريزة الاستعلاء لدى المتصوف، أي الهجرة من المكان
الجيد إلى المكان السيء باعتقاد الإنسان الصوفي.
وفي هذا
الاتجاه، يقول ابن الفارض "سلطان العاشقين" :
لها
صلواتي بالمقامِ أُقيمها
وأشهَدُ فيها أنّها ليَ
صَلّتِ
المتصوف لا
يترك مجالاً للتمنطق لأنه يكتفي بالتخيل ولهذا وعيه شديد القرب من الوعي الأسطوري
الذي يقوم على مبدأ التخيل.. همه أن يصبح زاكيًا، يطبق حرفيًّا هذه الآية :{قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} وإن صارت النفس زاكية فهذا يعني أنها حازت مناقب الأخلاق.
جاءت الصوفية
كرد فعل على انحطاط المجتمع، حيث فساد الأخلاق وتكالب الناس على الثروات
والشهوات.. هنا ينسحب الصوفي بروحه المتعاية على المادة إلى عالمه الكبير الذي
يختص بالحرية والخيال ولذة السؤال عن المجهول، غايتها إعداد النفس للبلوغ إلى
الحضرة العالية، حيث الأمن والجمال ونزعة الحب الإلهي.
بالنسبة
للصوفية الإنسان في نواته شوق وحنين، ولهذا قال أحد الصوفيين : "لا مرام سوى
الغرام" ذلك أن الإنسان بطبيعته متيم بالجمال أينما وجده عشقه.
يقول أبو علا
العفيفي : "التصوف كالفن لا وجود له بغير عاطفة جامحة".
قد يلاحظ البعض
بأن ثمة شبها كبيراً بين الصوفية والرومانسية الأوروبية فيما يخص تمجيدهما كلتاهما
الوجدان على حساب العقل وتمجد الطبيعة على حساب المجتمع.
وبذلك تكون
الصوفية قد رسخت "الوجد" الذي هو الدرجة أعلى درجات الحب، كشرط أساسي
للمعرفة وبهذا فقد جعلت الصوفية من المعرفة عشقاً، أو نتاج عشق وهيام.
يقول مولانا
جلال الدين الرومي :
العشق
حياة خالدة
لا
أخلى الله الحياة من العشق
وفي نفس
الاتجاه سُئل الحلاج عن مذهبه فأجاب : "العشق".
والأهم أن هذا
العشق لا يتوجه إلى الجزئيات، بل إلى الحقيقة المتعالية التي تشمل "الحق
والخلق"، على حد عبارة ابن عربي "الشيخ الأكبر".
بالنسبة
للصوفية، الإنسان الكامل هو الذي يتصنف ضمن أعلى مراتب الارتقاء الصوفي وهذه
المرتبة لا تتحقق إلا بالوجد والحب.
** ** **
سعاد محبوبي