وأخرج الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما : (من حلف بغير الله فقد أشرك) على التغليظ والحجة في ذلك حديث ابن عمر أن النبي صى الله عليه وسلم سمع عمر يقول وأبي وأبي فقال : (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه : (من حلف باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله) انتهى. وأخرج عبد الله بن حميد عن حكيم بن جبير قال : (سألت سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ}{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فقلتُ : زعم قوم أنها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا قال : اقرأ ما قبلها وما بعدها فقرأت عليه فقال : لا بل نزلت علينا، قال : ثم لقيت مِقْسَما مولى ابن عباس رضي الله عنهما فسألته عن هؤلاء الآيات التي في المائدة قلتُ : زعم قوم أنها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا قال : إنه قد نزل على بني إسرائيل ونزل علينا وما نزل علينا وعليهم فهو لنا ولهم، ثم دخلتُ على علي بن الحسين رضي الله عنهما فسألته عن هذه الآيات التي في المائدة وحدثته أني سألت عنهما سعيد بن جبير ومِقْسَما قال : بما قال لك مِقْسَم ؟ فأخبرته بما قال، قال : صدق، ولكنه كُفر ليس ككفر الشرك، وفسق ليس كفسق الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك، فلقيتُ سعيد بن جبير فأخبرته بما قال فقال سعيد لابنه : كيف رأيته لقد وجدت له فضلا عليك وعلي وعلى مِقْسَم) . وأخرج عبد الله بن حميد وابن المنذر عن عطاء رحمه الله تعالى في هذه الآيات الثلاث قال : "كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق". وأخرج سعيد بن منصور وابن المذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وسننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}قال : "إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفرًا ينقل عن عن الملة، كفر دون كفر". وفي جامع أبي عيسى الترمذي حديث : (من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا، فهو كما قال) قال أبو عيسى حديث حسن صحيح. وقد اختلف أهل العلم في هنا، إذا حلف الرجل بملة سوى الإسلام فقال : هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا وكذا وفعل ذلك الشيء، فقال بعضهم : قد أتى عظيمًا ولا كفارة، وهو قول أهل المدينة، وبه يقول مالك وإليه ذهب أبو عبيد، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم عليه الكفارة وهو قول سفيان وأحمد وإسحاق. انتهى.
وفي رواية البزار عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة بركة والفُرقة عذاب) . وفي الحديث أيضًا : (من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما). قال ابن الأثير في النهاية : لأنه إما يصدق عليه وإما يكذب، فإن صدق فهو كافر، وإن كذب عاد الكفر عليه بتكفيره أخاه المسلم. والكفر صنفان أحدهما الكفر بأصل الإيمان وهو ضدُّه، والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام، ولا يخرج به عن أصل الإيمان. ثم قال : ومنه حديث ابن عباس قيل له : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}فقال : هم كفرة وليس هم كمن كفر بالله واليوم الآخر. ومنه حديث الآخران الأوس والخزرج ذكروا ما كان بينهم في الجاهلية فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأزل الله تعالى : {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} ولم يكن ذلك على الكفر بالله سبحانه، ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الألفة والمودّة. ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه : (إذا قال الرجل للرجل أنت لي عدوّ، فقد كفر أحدهما بالإسلام). أراد كفر نعمته لأن الله سبحانه ألَّف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا فمن لم يعرفها فقد كفرها.