وكذلك الحديث : (من أتى كاهنًا فقد كفر)[1] وحديث الأنواء : (إِنَّ اللهَ يُنْزِلُ الغَيْثَ فَيُصْبِحُ قَوْمٌ بِهِ كَافِرُون يَقُلُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا)[2] أي كفروا بذلك دون غيرنا حيث ينسبون المطر إلى النواء دون الله تعالى، ومنه حديث : (فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء لكفرهن قيل: أيكفرن بالله قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان لو أَحسنتَ إلى إحداهنَّ الدَّهرَ ثم رَأَتْ مِنْكَ شيئاً قالت: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطّ)(3) والحديث الآخر : (سِباب المُسْلِمِ فُسوقٌ، وقِتَالُهُ كُفْرٌ) [4] و (مَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَر)[5] وَ (مَن تَرَكَ التَّحَدُّث بِالنِّعْمَةِ كَفَرَهَا)[6] وأحاديث من هذا الفن كثيرة. انتهى.
وقال أيضاً في حديث :(الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل) قال يريد به الرياء في العمل كأنه أشرك في عمله غير الله تعالى ومنه قوله تعالى : {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[7] ثم قال : (والشرك بالله تعالى جعل له شريكًا، والشرك الكفر ومنه الحديث : (من حلف بغير الله فقد أشرك حيث جعل ما لا يحلف به محلوفًا به كاسم الله الذي يكون به القسم. انتهى.
وفي رواية البزار : حدثنا عبد الله بن عبد الله بن السيد الباهلي حدثنا عباد يعني ابن عباد المهلبي حدثنا فضل بن يسار قال : سمعت محمد بن علي رضي الله عنهما وسُأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم :"(لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ". فَأَدَارَ دَارَةً وَاسِعَةً فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ أَدَارَ فِي وَسَطِ الدَّارَةِ دَارَةً، فَقَالَ: الدَّارَةُ الْأُولَى الْإِسْلَامُ، وَالدَّارَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ الدَّارَةِ الْإِيمَانُ، فَإِذَا زَنَى خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا الشِّرْكُ)[8]. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : (النفاق نفاقان. نفاق تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم فذاك كفر، ونفاق خطايا وذنوب فذاك يرجى لصاحبه). وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر ورفعه : (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ). قال أبو عيسى الترمذي معناه عند أهل العلم : نفاق العمل وإنما كان نفاق التكذيب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .انتهى.
ما أوردناه فيه كفاية فنرجع إلى الكلام معكم :
تدَّعون أنتم أن الشرك في بعض العبادات كالدعاء شرك أكبر مستدلين بقوله تعالى : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[8] وقوله تعالى : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[9] وقوله سبحانه : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[10] ونحو هذه الآيات الواردة بلفظ الدعاء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الدعاء هو العبادة) وفي رواية (مخ العبادة) فتضمنت دعواكم ثلاثة أمور : الأوّل أنّ الدعاء الذي هو النداء لطلب الحوائج عبادة. الثاني أن الشرك فيه شرك أكبر. الثالث أنّ المراد بالدعاء في الآيات والحديث هو هذا الذي نزاعنا فيه فأقول : أمّا كون الدعاء الذي نزاعنا فيه عبادة فمسلَّم، وبقي النزاع في أمرين : أحدهما أن الشرك فيه شرك أكبر، والثاني في ما المراد بالدعاء في الحديث والآيات التي أوردتم ، سنتكلم على ذلك إن شاء الله تعالى.
وإذا سلمنا لكم أن الدعاء الذي هو النداء لطلب الحوائج عبادة، فهل الصلاة والصيام والزكاة والحج عبادة أم لا ؟ فلا بد أن تقولوا أنها عبادة، فهل هي في أنواع العبادة أعلى من هذا الدعاء أم دونه ؟ إن قلتم دونه فهذا القول باطل بما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول : «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» قال الشيخ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث : والمراد من الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس، فهي كالأركان والدعائم لبنيانه وقد خرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ولفظه : (بُنيَ الإسىمُ على خَمْسِ دَعائم... فذكره) والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا نقص منها شيء نقص البنيان، وهو قائم لا ينتقص بنقص ذلك بخلاف نقص هذه الدعائم فإن الإسلام يزول بفقدها جميعا بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين، والمراد بفقد الشهادتين الإيمان بالله ورسوله .انتهى.
الهوامش
1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ. رواه أبو داود.
2 - قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مُطِرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا أَصْبَحَ بَعْضُهُمْ كَافِرًا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ".وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
3 - رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس.
4 - رواه البخاري ومسلم عنِ ابنِ مَسعودٍ .
5 - من حديث : "لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ" رواه البخاري ومسلم.
6-عن النعمان مرفوعا { من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل ، والتحدث بنعمة الله عز وجل شكر وتركها كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب } رواه أحمد ، وضعفه ابن الجوزي بعد ذكره الجراح بن مليح والد وكيع ، وأكثرهم قواه فهو حديث حسن .
7 -سورة الكهف - الآية 110
8 - سورة غافر : 60
8 - سورة غافر : 60
9 - سورة الأحقاف: 5
10 - سورة الجن : 18