(المُحبُّ
أنْفَاسُهُ حِكْمَةٌ والمَحْبُوبُ أَنْفَاسُهُ قُدْرَةٌ كناية)
(المحبُّ
أنفاسهُ) كناية عن كلامه لأنه قد لايشهد إلاّ محبوبه ولا يسمع
إلاّ منه فلا ينطق إلاّ بالحكمة لأنها الفهم عن الله (والمَحبوبُ) لكونه قد تزايد
قربة لربّه بزيادة حبّه له (أنفاسه قدره) لأنه سائر فى الأكوان بمعونة الملك
المنّان، فالمحبّ سالك مجذوب أي عن إرادته والمحبوب مجذوب سالك وهو أعلا وأخصّ من
المحبّ لأنه مراد والمحبّ مريد، ولهم مجذوب أبتر وسالك أبتر وهما مذكوران فى
المطولات وعابد ناسك وهو الناظر لوجوده الطالب لعوض عمله كما أشار إليه بقوله:
(العِبَادَات للمُعَاوَضَاتِ وَالمَحَبَّةُ لِلْقَرُبَاتِ)
(العِبَادَات
للمُعَاوَضَات)، قال الله تعالى : {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (والمحبّة للقُرباتِ) أي للتّقرب إليه تعالى بصدق وإخلاص. واعلم أن
المؤمنين أربعة أقسام :
قسم يريد ثواب
الدنيا والآخرة.
وقسم يريد
الآخرة فقط.
وقسم يريد
مالكهما.
وقسم ما له
إرادة.
فالأول : عوّام
المؤمنين وإن تفاوتوا، والثاني : خوّاصهم، والثالث : خوّاص خوّاصهم وهم المحبون،
والرابع : أخصّ خواصهم، وهو العارف بالله فى الله لله .ومن ثمّ قال الله تعالى فى
حديث قدسيّ : (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأتْ ولا أذُنٌ سَمِعَتْ ولا خطَرَ على
قَلبِ بَشَر وهؤلاء عبيد المُنعم لا عبيد النِّعمة وهم قليلون، قال الله تعالى :{ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وقليل ماهم، وهم مع الخلق بأبدانهم
ومع الحق بقلوبهم، لايفترون عن مشاهدته طرفة عين وقال فى حديث قدسى أيضا على ما
قال المؤلف : (لمّا أَرَادُونِي لِي أَعْطَيْتُهُمْ مَالَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا
أُذُنٌ سَمِعَتْ) وهذا مع ما قبله نتيجة ما أمدهم به الله تعالى من المحبّة.