إن عمر بن الفارض ليس مجهولاً في الأوساط الصوفَّيـة وغير الصوفية، عربَّيـة كانت أم غير عربَّيـة، فهو علم من أعلام التصّوف الإسلامي. وقد لُقب ب«سلطان العاشقين» ذلك لأنه ارتقى في الانتشاء والترنُّم بالعشق الإلهي إلى ذروة لا ينازعه فيها منازع. فهو الذي أثرى الأدب العربي بدرَّةٍ شعريَّـة نفيسة، ألا وهي قصيدته «نظمُ السلوك» والمـسمـاة أيضـا بـ «التائيَّـةالكبرى» والتي وصفها المستشرق الإنجليزي رينولد نيكلسون بقوله: «كما لم يكن لها كما لم يكن لها سابقةٌ فإنَّه لم يكن لها لاحقة» .
ولكن، ورغم تلك الشهرة الفريدة وذلك االانتشار الواسع لأشعار ابن الفارض، فإنَّ المصادر التاريخيَّـة لم تَـحمل إلينا الكثير من أخباره وسيرة حياته .
فقد وُلِـد أبو القاسم عمر بن الفارض الحموي الأصل والمصري المنبت والمقام والوفاة في القاهرة في الرابع من ذي القعدة سنة 567 هـ/1181م. ويتفق جميع مَـن ترجموا له على أنَّ اسمه «عُـمر»، وكنيته «أبو القاسم» أو «أبو حفص»، و نسبـه ابن أبي الحسن علي، ولقبه شرف الدين.
ولقد عاصر ابن الفارض الأحداث المجيدة التي حقَّقها «الأيُّوبيّـون». وقد ترعرع في أيَّـام صعود القائد البطل الناصر صالح الدين يوسف بن أيّـوب إلى ذروة مجده. وعاش في ظلِّ الملك الكامل في مصر، وتوفي قبل سقوط الدولة الأيـوبيـة على أيدي المماليك بعدَّة سنين.
يذكر أن أباه عليًّا أبا الحسن قدم من حماه في بلاد الشام( ولذلك قيل الحمويّ الأصل) إلى مصر (ولا يـُذكر سبب هجرته هذه) حيث رُزقَ بابنه عُمر. وصار أبو الحسن يعمل بالفقه حتى أصبح فقيهًا شهيراً، خاصة إثبات ما فرضه الله للنساء من حقوق على الرجال، وذلك في بلاط الحكام.
فتولى نيابة الحكم وغلب عليه لقب «الفارض» فانحدر هذا اللقب على ابنه عمر فلُقِّبَ ب«ابن الفارض» ـثم سـئل أبو الحسن أن يكون قاضيًـا للقضاة وهو أسمى منصب في الحكم، لكنّه فضَّل الانقطاع للخطابة في الجامع الأزهر وظلَّ كذلك حتّى وافته منيّته.
وإن دلَّت هذه الأخبار على شيء، فإنما تدلُّ على أن الحياة العلميـة والصوفَيـة لم تكن غريبة على أسرة ابن الفارض ـ فقد كان أبوه من أهل العلم والورع، حتى أنه فضّل الزهد واالاعتكاف على االانغماس في الشهرة والجرْي وراء الجاه. وكان َجـدُّه يحمل لقب «المرشد»، ممَّـا يدلُّ على أّنه كان شيخاً معروفا صاحب طريقة ومرشدا لمريديها. فليس غريبـًا ـ إذن ـ أن يكون أبوه أَّول مـن اعتنى بتربية ولده علماً وتقوىً.
وممَّـا يذكره لنا علي سبط ابن الفارض أن الشاعر بدأ سياحته الصوفيـة مُبكراً. فكان عمر يذهب إلى وادي المستضعفين بالمقطَّم شرقيّ القاهرة. ثم يعود من سياحته إلى أبيه الذي كان يلزم ابنه بالجلوس معه في مجالس الحكم ومدارس العلم . كما يذكر لنا معاصره المؤرِّخ زكي الدين عبد العظيم المنذريّ، في ترجمته له، أنّ ابن الفارض تعلَّم الحديث على أيدي واحد من كبار المحدِّثين في عصره، وهو العلاّمة الشافعيّ أبو محمـد القاسم بن العساكر صاحب كتاب «تاريخ دمشق». وهكذا انتمى ابن الفارض للمذهب الشافعيّ فلُقب بالشافعي.
ومن المؤكـد أيضـا من المصادر التاريخيـة أن ابن الفارض جاور مكـة المكرمة فترةً من حياته، وفقاً لِـمـا صارت عليه العادة عند الصوفيـة، طالبـًا في رحابها الفيض الإلهي الذي لم يَفِضْ ولم ُيفْتَح به عليه في ديار مصر.
فقد عاش هناك بين أودية مكـة قرابة خمس عشرة سنةً - أي أنه ذهب سنة 613هـ/1216م، وهو في العقد الثالث من عمره ورجع من هناك سنة 628هـ/1231م، وهو في العقد الرابع، في قمّـة نضجه عمرًا وروحًـا.
ولقد قضى تلك الحقبة من الزمن سائحًـا عابدًا منعزلاً عن الناس، إلى أن فُتح له فتحقَّقت أغلى أمانيه. ولنا في ذلك كلّه شاهد بيِّن في أشعاره حيث ترنَّم بنشوة ذلك الفتح وبما كان يربطه بأماكن الحجاز من روابط الودّ والشوق. فأنشد في ذلك قائلاً:
يا سميري روِّحْ بمكَّة رُوحي ...شادِياً، إنْ رَغِبتَ في إسْعادي
كانَ فيها أُنسِي ومعراجُ قُدسي ....وَمَقامي المَقامُ، والفَتحَ بادِي
وبعد رجوعه إلى مصر، لم ُيـعـِّمـر طويلاً حيث توفي بعد ذلك بأربع سنوات، في يوم الثلثاء الثاني من جمادى الأولى سنة 632هـ/1235م. ودُفن في اليوم التالي بالمدافن بسفح المقطَّم المعروف بالعارض، وهو مُـقام على الجبل المذكور.
ولكن، ورغم تلك الشهرة الفريدة وذلك االانتشار الواسع لأشعار ابن الفارض، فإنَّ المصادر التاريخيَّـة لم تَـحمل إلينا الكثير من أخباره وسيرة حياته .
فقد وُلِـد أبو القاسم عمر بن الفارض الحموي الأصل والمصري المنبت والمقام والوفاة في القاهرة في الرابع من ذي القعدة سنة 567 هـ/1181م. ويتفق جميع مَـن ترجموا له على أنَّ اسمه «عُـمر»، وكنيته «أبو القاسم» أو «أبو حفص»، و نسبـه ابن أبي الحسن علي، ولقبه شرف الدين.
ولقد عاصر ابن الفارض الأحداث المجيدة التي حقَّقها «الأيُّوبيّـون». وقد ترعرع في أيَّـام صعود القائد البطل الناصر صالح الدين يوسف بن أيّـوب إلى ذروة مجده. وعاش في ظلِّ الملك الكامل في مصر، وتوفي قبل سقوط الدولة الأيـوبيـة على أيدي المماليك بعدَّة سنين.
يذكر أن أباه عليًّا أبا الحسن قدم من حماه في بلاد الشام( ولذلك قيل الحمويّ الأصل) إلى مصر (ولا يـُذكر سبب هجرته هذه) حيث رُزقَ بابنه عُمر. وصار أبو الحسن يعمل بالفقه حتى أصبح فقيهًا شهيراً، خاصة إثبات ما فرضه الله للنساء من حقوق على الرجال، وذلك في بلاط الحكام.
فتولى نيابة الحكم وغلب عليه لقب «الفارض» فانحدر هذا اللقب على ابنه عمر فلُقِّبَ ب«ابن الفارض» ـثم سـئل أبو الحسن أن يكون قاضيًـا للقضاة وهو أسمى منصب في الحكم، لكنّه فضَّل الانقطاع للخطابة في الجامع الأزهر وظلَّ كذلك حتّى وافته منيّته.
وإن دلَّت هذه الأخبار على شيء، فإنما تدلُّ على أن الحياة العلميـة والصوفَيـة لم تكن غريبة على أسرة ابن الفارض ـ فقد كان أبوه من أهل العلم والورع، حتى أنه فضّل الزهد واالاعتكاف على االانغماس في الشهرة والجرْي وراء الجاه. وكان َجـدُّه يحمل لقب «المرشد»، ممَّـا يدلُّ على أّنه كان شيخاً معروفا صاحب طريقة ومرشدا لمريديها. فليس غريبـًا ـ إذن ـ أن يكون أبوه أَّول مـن اعتنى بتربية ولده علماً وتقوىً.
وممَّـا يذكره لنا علي سبط ابن الفارض أن الشاعر بدأ سياحته الصوفيـة مُبكراً. فكان عمر يذهب إلى وادي المستضعفين بالمقطَّم شرقيّ القاهرة. ثم يعود من سياحته إلى أبيه الذي كان يلزم ابنه بالجلوس معه في مجالس الحكم ومدارس العلم . كما يذكر لنا معاصره المؤرِّخ زكي الدين عبد العظيم المنذريّ، في ترجمته له، أنّ ابن الفارض تعلَّم الحديث على أيدي واحد من كبار المحدِّثين في عصره، وهو العلاّمة الشافعيّ أبو محمـد القاسم بن العساكر صاحب كتاب «تاريخ دمشق». وهكذا انتمى ابن الفارض للمذهب الشافعيّ فلُقب بالشافعي.
ومن المؤكـد أيضـا من المصادر التاريخيـة أن ابن الفارض جاور مكـة المكرمة فترةً من حياته، وفقاً لِـمـا صارت عليه العادة عند الصوفيـة، طالبـًا في رحابها الفيض الإلهي الذي لم يَفِضْ ولم ُيفْتَح به عليه في ديار مصر.
فقد عاش هناك بين أودية مكـة قرابة خمس عشرة سنةً - أي أنه ذهب سنة 613هـ/1216م، وهو في العقد الثالث من عمره ورجع من هناك سنة 628هـ/1231م، وهو في العقد الرابع، في قمّـة نضجه عمرًا وروحًـا.
ولقد قضى تلك الحقبة من الزمن سائحًـا عابدًا منعزلاً عن الناس، إلى أن فُتح له فتحقَّقت أغلى أمانيه. ولنا في ذلك كلّه شاهد بيِّن في أشعاره حيث ترنَّم بنشوة ذلك الفتح وبما كان يربطه بأماكن الحجاز من روابط الودّ والشوق. فأنشد في ذلك قائلاً:
يا سميري روِّحْ بمكَّة رُوحي ...شادِياً، إنْ رَغِبتَ في إسْعادي
كانَ فيها أُنسِي ومعراجُ قُدسي ....وَمَقامي المَقامُ، والفَتحَ بادِي
وبعد رجوعه إلى مصر، لم ُيـعـِّمـر طويلاً حيث توفي بعد ذلك بأربع سنوات، في يوم الثلثاء الثاني من جمادى الأولى سنة 632هـ/1235م. ودُفن في اليوم التالي بالمدافن بسفح المقطَّم المعروف بالعارض، وهو مُـقام على الجبل المذكور.