آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح أنوار السرائر وسرائر الأنوار -10

ومن حكم حال الانتباه أيضًا : أنك إن ذُكرت عندك الدنيا فإنك تنظر إلى سماجتها وقبح باطنها، وكيف هي تنقلب بأهلها، وكون مآلها للفناء ووجودها مصحوب بالعناء، ومباديها مقرونة بالبلاء، فيوجب لك ذلك تجاوزها حيث يظهر لك بطلانها والزهادة فيها والتجافي عن غرورها وزهرتها، وعلى أن اعتبرت من العبور والمجاوزة يكون المعنى، أنه لانكماشه في حاله ولوعته وغصته إذا ذكرت عنده الدنيا وذكرها تجاوزها بهمّته ولم يقف معها، لكونه قد استولى عليه سكر ما هو فيه، وغلب عليه وارد التنبيه من الحق، وصار لا يرى غير حالته الراهنة حالا، ولا يقرر لنفسه عنها انتقالا، قد سكنت نفسه وضعفت دواعيها عن الميل إلى زخارفها العاجلة، وأمَّا على نسخته اعتزلت فهو قريب من هذا.

ومن حكم حال الانتباه أيضًا : أنك إن جرى لديك ذكر الآخرة كنتَ مسرور القلب، منشرح الصدر وكذلك الذكر، كأنك بما حصل لك بسبب ذلك الانتباه من النور الكاشف عن حقائق الأمور، وترى الآخرة قد قرب وصولها، إذ كل آتٍ قطعًا كالموجود في الحال وقد ادّخر مولاك في جنته ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر من النعيم المُقيم والنظر إلى وجهه الكريم وهي دائمة غير منقضيّة ولا منقطعة فيتسع صدرك ويبتهج قلبك بما أعدَّ مولاك لعباده فيها وتستبشر بها حيث كانت أقرب إليك من أن ترحل إليها فحقَّ بذلك عند حقها.

ومن حكم حال الانتباه أيضًا : أنك مهما ذكرت جبَّار السموات والأرض طربت وفرحت واستغرقك الفرح بمولاك، وأظهرت التمدح به والافتخار به، أولاك  تحدثاً بنعمته وإشهاراً لمنته حيث نبّهك لخدمته والإيواء لجنابه والوقوف ببابه، وكانت لك منه عناية سابقة ومعونة لاحقة، حتى أخرجك من سجن الغفلة وأظهر عليك الطاعة الخفية، كنتَ عدما فصرت وجوداً، وكنت نائماً في الغفلة فصرت منتبهاً باليقظة، وكنتَ في ظلمة الطبع فصرت في نور العقل، وذلك كله من منة الله عليك ولطفه بك، ولو شاء لخلّاك وما كنتَ فيه وأنت أهل لذلك ومستحق له، كما فعل سبحانه ذلك بأُممٍ لا تُحصى وأظهر فيهم عدله وقسطه.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية