ولقد عَلِمَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية هذه المُضغة، وما أودع الله فيها من أسرار تدلُّ على قدرته وعظمته، فأثبت في عدة أحاديث ذلك، وتبين لنا من خلالها أنه صلى الله عليه وسلم أُرسلَ ليطهر قلوب الناس من الجهل والشرك والمخالفة، وأنه على علم بتقلباته وأمراضه وما يصلح له من الأدوية وأنواع العلاج.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ : فَقَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ أَزْهَرُ ، وَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ، وَسِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ . وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ ، فَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ . وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ ، وَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ ، عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ . وَقَلْبٌ مُصَفَّحٌ ، وَذَلِكَ قَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ ، فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا مَاءٌ طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ ، فَأَيُّ الْمَادَّتَيْنِ غَلَبَتْ صَاحِبَتَهَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ) [1].
فتأمَّل -رعاك الله- إلى هذا التقسيم الدقيق لأنواع القلوب الآدمية، وانظر -عافاك الله- إلى هذا الأسلوب البليغ في وصف أحوالها وتقلباتها بين الإيمان والكفر والنفاق.
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (أيُّ النَّاسِ أفضلُ ؟ قالَ : كلُّ مخمومِ القلبِ ، صدوقُ اللِّسانِ ، قالوا ، صدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه فما مخمومُ القلبِ ؟ قال التَّقيُّ النَّقيُّ ، لا إثمَ فيه ، و لا بغْيَ ، ولا غِلَّ ، ولا حسَدَ) [2].
ولو لم تكن طهارة القلب واجبة لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر النقي، أن يُشق صدره مرتين ويُستخرج قلبه فيُنزع منه حظ الشيطان، ويُملأ إيمنًا وحكمةً قبل أن يُعرج به. فلا يتحقق العبد بلذة الشوق إلى الله، والتوجه إليه وعروج روحه إلّا إذا شق صدره بسيف المجاهدة، وغسل قلبه بماء الخشية والمراقبة.
** ** **
[1] مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري،ج 1. ص/17
[2] سنن ابن ماجة، عن عبد الله بن عمر وكتاب : الزهد، باب : الورع والتقوى