التزكية في اللغة والاصطلاح
أصل التزكية في
اللغة من الزكاء وهو النماء والريع، يُقال زكا الزرع زكاءً أي نماءاً وكل شيء
يزداد وينمى فهو يزكو زكاءاً، ويقال أرض زكية طيبة. ومنه الزكاة وهو تطهير الأموال
بإخراج حق الله تعالى من أموال الأغنياء إلى الفقراء.1
ومن هذا الأصل
اللغوي تحددت دلالة التزكية في الاصطلاح، إذ أصبحت تعني تطهير النفس بما يليق بذلك
من المحامد والفضائل والأخلاق، وتصفيتها من الآثام والأكدار، باتباع طريق المجاهدة
ومخالفة العوائد القبيحة، قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿9﴾
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[سورة الشمس].
ويلتقي مع
مصطلح التزكية مصطلح التربية، وأصلها من "رَبَّ يَرُبُّ"، يقال ربَّ
ولده يُربِّهِ ربا وربَّبه تربيباً وتربية بمعنى رباه"2. "والتربية في
اللغة هي إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى التمام.3. "ورباه إذا ساسه وقام
بتدبيره، ومنه قيل للحاضنة رابة".4
ومنه الرباني،
وهو "منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة، وقيل هو من الربب معنى
التربية".5. لذلك جاءفي معنى الرباني "الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل
كباره".6
وبهذا يتضح لنا
بأن التزكية تطهير، والتربية توجيه وإرشاد، وكلا الوظيفتين، تصرف بهما النبي صلى
الله عليه وسلم، وكِلا المصطلحين سأستعملهما في هذا البحث، وإن كانت التزكية أعم
لأنها تتضمن التربية والتوجيه أيضاً، وهذا مظهر من مظاهر الكمال عند هذا النبي
الكريم.
الرسول صلى الله عليه وسلم مُزكِّياً
لقد حدَّد الله
تعالى دلالات مفهوم التزكية في القرآن الكريم، والتي اتصف بها الحبيب المصطفى صلى
الله عليه وسلم.
التزكية فعل
إلهي : قال تعالى :{وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ
مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور-الآية 21]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : (لولا أنه
هو يرزق من يشاء بالتوبة والرجوع إليه، ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودنسها وما
فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا).7.
التزكية أمر
إلهي للرسل : قال تعالى مخاطبا سيدنا موسى عليه السلام: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ
إِنَّهُ طَغَى*فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى*وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ
فَتَخْشَى}[النازعات- الآية19].
التزكية وظيفة
ومنصب وتصرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم : قال تعالى : {كَمَا أَرْسَلْنَا
فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ}[البقرة -الآية151]
تصرف النبي صلى
الله عليه وسلم بالتزكية مطلب ودعاء سيدنا إبرلهيم الخليل عليه الصلاة والسلام :
قال تعالى : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ
أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[سورة البقرة - الآية 129] بل إن الله تعالى عاتب
رسوله وحبيبه الأمين - من باب خطاب العين والمراد غيره، ومن باب بيان جسامة هذا
الأمر الإلهي - عندما أعرض والتفت صلى الله عليه وسلم عن ابن أم مكتوم الذي جاءه
يطلب التزكية.8
قال تعالى :
{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ
اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى
(10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)}[سورة : عبس].
التزكية فعل
رغَّبَ فيه الشرع وأكد عليه :قال تعالى :
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[سورة الشمس:9، 10]،
{وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[سورة فاطر - الآية 18]
الهوامش
2 - لسان العرب مادة "ريب".
3 - المفردات في غريب القرآن للأصبهاني مادة "رب".
4 - المصباح المنير مادة "رب"".
5 - المرجع نفسه.
6 - انظر صحيح البخاري، كتاب : العلم، باب : العلم قبل القول والعمل.