والسالك باعتبار الكمال والنقصان على قسمين مريد ناقص، ومراد كامل، فأشار الشيخ إلى بياهما وعرفهما فقال: (المريد هو الذي سار بنفسه إليه) أي: الذي ثبتت له الإرادة وهي لوعة في القلب أي: حرقة فيه وألم من حبٍّ أوهمٍّ أي : مرض في اصطلاح هذه الطائفة، هو السالك الذي سار إلى الله بالله بنفسه، ولكن تجرَّد عن إرادته على ما هو مذهب الشيخ، أو صحت له الأسماء فدخل في المنقطعين إلى الله بها على ما هو مذهب غيره، ويقال لهذا : سالك، ولما يأتي المجذوب وكل مَن مشى على المقامات بالحال لا بالعلم فهو سالك، فكل منهما سالك إلا أن المريد سالك مجذوب، والمُراد مجذوب سالك كما قال الشيخ قُدِّس سره : (والمُراد هو الذي سير به رغمًا عليه) أي : والمراد عند هذه الطائفة هو السالك الذي جُذبَ ابتداء وإلا فالمريد يُجذب أيضًا لكن انتهاء.
وهذا يفرق بينهما كما يفرق بأن المريد لربِّه، والمراد بربه وأنه مُترقِّي وهذا مُتدلِّي ويتفقان في معنى التحقُّق؛ لأنه يكون لكلِّ منهما ما لصاحبه، لكن البساط مختلف الأول صاعد، والثاني نازل، والعلم واحد والمشاهدة واحدة، فهما يشهدان أن الصفات في منزل واحد، لكن هذا في تَدَلِّيه وذاك في تَرَقِّيه، ومعنى الجذب أَخْد العبد إلى حضرة الحق من غير ترتيب وتدريج. وقال الشيخ رضي الله عنه : (هو خلع إرادة العبد مع تهيؤ المراد له)، وهو المراد من قوله : (سيرَ به) أي : الله، فسيره بالله لا بنفسه أي : الحق تعالى سارٍ به كرهًا عليه وقسرًا، فجاوز الرسوم والمقامات من غير المجاهدات والرياضات والمكابدات بخلاف الأول، فإنه جاوز المقامات بالمكابدات وغيرها فافهم.
هذه إذا كان المريد واصلاً؛ إذ الوصول لا يكون إلا بالجذبة التي توازي عمل الثقلين، وأمَّا غير الواصل فهو ماشٍ على المقامات لا مجاوزها، وقال الولي الكامل الشيخ رسلان الدمشقي رضي الله عنه وعنا وعن الأمة ببركته : (ما دمتَ أنتَ فأنتَ مريد، فإذا أفناكَ عنكَ مولاكَ فأنتَ مُراد) فعلى هذا المريد هو الذي يدَّعي الوجود لنفسه، ويقول : أنا، والمراد هو الذي فنى عن وجوده وإرادته، ولا يقول : أنا أبدًا والحال واحد والعبارات مختلفة متنوعة، لكن الحق أن المريد غير واصل والواصل هو المراد؛ لأن كل مَن سلك بنفسه ما دام في السلوك بالنفس فهو غير واصل، وإذا صار سلوكه بربه فهو واصل.