آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح منازل السائرين عبد الرزاق القاشاني- 8

ولا يتم ذلك إلّا بالدخول عن الغير وعدم الالتفات إلى ما سواه وهو مقام الفقر، ولا يكون إلا لكمال الغنى بالحق وذلك هو المراد بقوله عليه السلام : (الغنى غنى القلب) وعند ذلك يعصمه الله تعالى عن المخالفة ويحجز بينه وبين المعصية، ولهذا قيل : (العصمة نور يقذف في القلب ويتنور به النفس ويمتنع معه صدور المعصية عن صاحبه) وهو مقام المراد، فيقع في أودية غيب العقل المنور بنور القدس، وفيها الأنوار والنيران والأخطار إذ ربَّما يتراءى فيها المطلوب في صور النار كما في قوله تعالى : {إِذْ رَأَىٰ نَارًا} وقوله: {بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} وقد يتراءى في صورة الأنوار المتنزّل إلى رتبة الحق تارةً، والتّرقي إلى جناب القدس أخرى، كما في قوله تعالى : {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} وأولها وادي الخلق: الإحسان لقرب اليقين فيه إلى العيان، ثم العلم والحكمة على سبيل الموهبة، فتكتحل البصيرة التي هي عين القلب بنور الهداية، وتحدث الفراسة باستيناس حكم الغيب، ليتم تعظيم الحكم، وينفتح عليه باب الإلهام؛ حتى تنزل السكينة وتحصل الطمأنينة بكمال اليقين والأمن الشبيه بالعيان، فيقوي الهمَّة الباعثة على التداني من المقصود، ويبلغ بها مقام السر فتتوالى المواهب وتتعاقب الأحوال هناك، فتصير الإرادة محبة، فينجذب إلى المحبوب ويسلبه الغيرة عن نفسه وغيره، فيزداد الشوق ويقع في القلق، ويستولي عليه العطش فيغلب الوجد ويستفذه الدّهش والهيمان والبرق، ثم الذوق بالوصول إلى مقام الروح، ولمعاني أنوار الولايات كاللحظ المؤذن بالتجلي، والوقت المغلب لحكم الحال على حكم العلم الموقع في التكوين، وكلما صفى الوقت سقط التلوين وحدث السرور بذهاب خوف الانقطاع، وضحك الرقح بروح نسيم الاتصال، ثم السر باستسرار حال العبد عنه، فلا يعلم ما هو فيه للطفه ورقته، وهو المقام الذي قال فيه عليه السلام : (رَبِّ زِدْنِي فِيكَ تَحَيُّرًا) ثم النفس وهو روح يحدث بانجلاء غمام الاستسرار وانكشاف ظلمة الاستسار، ثم الغربة وهو بتدلِّ حاله بحيث يرى الشاهد مشهوداً، والطالب مطلوباً، فيكون غريباً في الدَّارين، ثم يقرب حاله بأن يتوسط المقام ويجاوز حدّ التفرُّق، فشمس حاله الفرق ثم يقع في الغيبة عن حاله بوجود مشهوده من غير شعور له، يجالد ثم يتمكن باستقرار الحال، لابساً نور الوجود، بأن يخفي عينه لتنوره بنور مشهوده، فيقع في المكاشفة العينية في مقام الخفى التي يشوبها عين الأنية، وتوصل للمشاهدة لا للمكاشفة العلمية التي هي من وادي الإلهام؛ لأن هذه من جملة الحقائق، والمشاهدة برفع الحجاب مطلقا تؤدي إلى المعاينة بعين الروح؛ لأن الروح في مقام الخفي تنور بنور الحق فرآه بنوره، ثم يحيى بحياته، ثم يقبضه الله تعالى إليه قبضاً يغنيه عن عينه، ثم يبسطه في عين القبض رحمة للخلق ليستضيئو بنوره، وقد يغلب البسط فيفضي بصاحبه إلى السكر لسقوط التمالك من شدَّة الطرب، فإذا صحا كان متصلاً بالحقيقة منفصلاً عن الكونين، وفي كل ذلك اعتلال لبقاء آنيته المنافية للفناء الذاتي، فإذا وقع في مقام المعرفة التامَّة بلغ النهاية بالفناء في الذات الأحدية، فيبقى ببقاء الحق، فكأن الفاني فانياً في الأزل والباقي باقيا لم يزل، فيتحقق بتحقيق الحق إياه، ثم يقع في مقام التلبيس بالظهور في رسوم الخلق هداية لهم ورحمة، مع أنه في مقام الوجود منخلعاً عن رسمه، وبعد ذلك لا يكون إلا تجريد عين الجمع وهو الحق بدون الخلق، ثم توحيد الحق بذاته لذاته في صور هياكله، كما قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه : (نور يشرق من صبح الأزل فيلوح في هياكل التوحيد) إشارة شهد الله أنه لا إله إلا هو.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية