كان في الغرب الإسلامي تياران يهيمنان على التصوف، أولها معروف باسم مدرسة ألمرية وممثلها كان ابن العريف (ت. 1141/536)[1]وكانت تربط عدد كبير من شيوخ بن العربي الأندلسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بمدرسة ألمرية كحالة محمد الغزال شيخ بن عربي الذي تتلمذ هو ووالده على بن العريف بشهادة يوسف بن يحي التادلي (ت. 1230/627)[2]. فكانت هذه المدرسة الموطن الرئيسي للتصوف الأندلسي. كما أن هناك حالة أخرى كحالة عبد الجليل بن موسى (ت.1211/608 ) مؤلف كتاب "مسائل شعب الإيمان" الذي كان يتردد عليه بن عربي بقصر كتامة.[3] وأيوب الفهري(ت.1212/609)تلميذا غالب القرشي (ت. 1172/568) الذي هو نفسه تلميذ بن العريف.[4] كما درس بن العربي علي إبراهيم بن طريف، وصديقه أبو عبد الله القلفاط بين سنوات 589و594ه، وهذان الرجلان هما تلميذي أبي الربيع المالقي الذي يكون بدوره تلميذ بن العريف.[5]
كما أنه كانت تجمع علاقة وطيدة بين ابن العريف وابن برجان (ت.1141/536).[6]هذا الأخير درس ابن عربي كتابا له بعنوان كتاب الحكمة على يد شيخه عبد العزيز المهدوي في تونس عام 1194/590.ربّما كان بن عربي على معرفة بهذا الكتاب عن طريق شيخه عبد الحق الإشبيلي (ت.1185/581)الذي كان تلميذا لابن برجان حسب كتاب الديباج.[7].
لقد نصَّ كل من آسي بلسيوس وهنري كوربان بأن مدرسة ألمرية لم تكن إلا امتدادا واستمرار للمدرسة المسرية المشهورة.[8] فقد أحال بن عربي عن بن مسرة مقطعين في الفتوحات المكية.[9] في حين أن أبا العلا عفيفي في كتابه فلسفة التصوف عند محيي الدين بن العربي يرى أن نزعة الأفلاطونية المحدثة عن بن عربي هي شبيه بنزعة إخوان الصفاء في نقاط كثيرة وليست التي نجدها عند بن مسرة.[10]وقد أتبث إفيس ماركات أن رسائل إخوان الصفاء المحررة في النصف الثاني من القرن الرابع قد دخلت منذ وقت طويل إلى الدوائر الفلسفية والأوصاف الصوفية الأندلسية.[11]
كما تأثّر الشيخ محي الدين بأعلام آخرين مشهورين أمثال أبي يعزى (ت.1177/572) وابن حرزهم (ت. 1169/559) ثم بعد ذلك أبي مدين.[12]
كما يشير كوربان في كتابه الخيال الخلاق أنه كان لابن عربي مشايخ التقاهم ورغب في التتلمذ عليهم، ترك مذكرات تلك اللقاءات في رسالة روح القدس، وآخرين لم يلتقهم، بل قرأ كتبهم، كما كان له شيوخ غير مرئيين. حيث يقول: «لقدكان ابن عربي تلميذاً لشيخ لا مرئي، هو الشيخ الباطني.... لقدكان ابن عربي قبل كل شيء تلميذاً ومريدا للخضر».[13]
أمّا فيما يخصُّ علاقة محي الدين بالسلطة، يذكر لنا كلود عدّاس في كتابه "ابن عربي سيرته وفكره" أن السلطان يعقوب عرض مساعدته لابن عربي، لكن هذا الأخير كان مصمما على أن يبتعد عن رجال السلطة، بل وعن الناس بشكل عام.[14] في حين أن شمس الدين الذهبي ذكر بأنه كتب الإنشاء لبعض الأُمراء بِالمغرب، ثم تزَهَّدَ وتَفَرَّدَ، وتَعبَّدَ وتَوَحَّدَ.[15]
1- حول بن العريف، ارجع إلى: محاسن المجالس لابن العريف، ترجمة إلى الإسبانية ميغال آسين بلسيوس، مدريد 1933.
2- أحمد التوفيق: التشوف في رجال التصوف، ص .119
3- الذرة، ص .190
4- حول بن غالب أنظر: التشوف في رجال التصوف، المرجع السابق، ص .228
5- حول أبي الربيع المالقي، أنظر الفتوحات المكية، ج 3ص 508
6- Paul Nwyia, “Notes sur quelques fragments inédits de la correspondence d´Ibn al-‘Arabi avec Ibn Barrajān”, Hesperis, 1956, XLIII, pp. 217-221.
7- بن فرحون: الديباج المذهب، مرجع سابق، ص .175-176
8- M. Asīn Palacios: Obras escogidas, I, p 114; Henry Corbin, Histoire de la
philosophie islamique, Paris, 1968, p 311.
9- بن عربي: الفتوحات، المصدر السابق، ج 1ص .149
10- Afifi, The Mystical philosophy of Muhyid-din Ibnul Arabi, Londre, 1964, p. 183.
11- Yves Marquet, La philosophie de Ikhwan al-safa ‘etudes et documents, Alger, 1975.
12- É. Dermenghem, Le culte des saints en Islam maghrébin, Paris, 1982, pp. 89-95.
13- هنري كوربان: هنري كوربان: الخيال الخلاف في تصوف بن عربي، ترجمة فريد الزاهي، منشورات مرسم، ،2006ط ،1ص .36
14- كلود عداس: ابن عربي سيرته وفكره، ترجمة أحمد الصادقي، دار المدار الإسلامي، بيروت، ط ،2014 ،1ص .143
15- شمس الدين الذهبي: سير أعلم النبلاء، دار الحديث- القاهرة، ،2006ج ،16ص 310.
13- هنري كوربان: هنري كوربان: الخيال الخلاف في تصوف بن عربي، ترجمة فريد الزاهي، منشورات مرسم، ،2006ط ،1ص .36
14- كلود عداس: ابن عربي سيرته وفكره، ترجمة أحمد الصادقي، دار المدار الإسلامي، بيروت، ط ،2014 ،1ص .143
15- شمس الدين الذهبي: سير أعلم النبلاء، دار الحديث- القاهرة، ،2006ج ،16ص 310.