وفي
الدعاء النبوي : «وَأَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ خَيْر اَرَدْتُ بِهِ وَجْهَكَ
فَخالَطَني فيهِ ما لَيْسَ لَكَ» وأخرج الإمام أحمد عن شداد بن أوس عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : «مَنْ صَلَّى يُرَائِي، فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ
يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرائِي فَقَدْ أَشْرَكَ. وإن الله عز
وجل يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئاً، فإن جِدَة عمله وقليله وكثيره لشريكه
الذي أشرك به، أنا عنه غني».
فإذا
تقدَّم هذا فلماذا حكمتم على من أشرك في الدعاء بالخروج عن الإسلام ولم تحكموا على
من أشرك في الصلاة بذلك مع اتحاد العلَّة التي هي الشرك فيهما ؟! وكيف كان الشرك
في الأعلى أصغر وفيما دونه أكبر ؟ هذا معنى ما قالوه هنا، أن الشرك الواقع في
الصلاة مثلاً شرك في العمل، والواقع في الدعاء شرك في الاعتقاد، فتضمن كلامكم دعوى
أن الشرك في العمل هو الأصغر، والشرك في الاعتقاد هو الأكبر، فنتكلم معكم على
مُقتضى دعواكم ونقول : هل كل شرك يتعلق بالاعتقاد شركٌ أكبر مُخرج عن الإسلام أم
لا؟ إن قلتم كلمة مخرج عنه، وردَّ عليكم قوله عليه الصلاة والسلام : «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» وقوله : «التِّوَلَةَ شِرْكٌ» «من علق تميمة فقد أشرك» قال في
النهاية في حديث الطيرة شرك ولكن الله يذهبه بالتوكل، جعل الطيرة شركا بالله تعالى
لاعتقاده جلب النفع ودفع الضرر، وليس هو الكفر بالله تعالى لأنه لو كان كفراً لَما
ذهب بالتوكل.انتهى.
لو أن التوله والتميمة مثل هذا في تعلقه بالاعتقاد، إذ من علق التميمة إنما علقها راجياً جلب نفع أو دفع ضرر فحينئذ لا يبقى إلا أن تقولوا بعض ما تعلق بالاعتقاد موجب للخروج عن الملة وبعضه غير موجب، وإذ ألزمناكم القول باستواء شرك الطيرة وشرك الدعاء في تعلقهما بالاعتقاد، فلماذا فرقتم بينهما فسلمتم أن شرك الطيرة أصغر وادعيتم أن شرك الدعاء أكبر مع استوائهما في التعلق بالاعتقاد، فههنا انقطع النزاع بيننا في أحد الأمرين الذين بقي النزاع فيهما، وبطلت دعواكم أن شرك الدعاء شرك أكبر.