وأما العجب : فهو من الخصال المذمومة أيضاً، قال صلى الله عليه وسلم : (ثلاثٌ مُهلِكاتٌ : شُحٌّ مُطاعٌ ، و هوًى مُتَّبَعٌ ، و إعجابُ المرءِ بنفسِه).[1]
وحقيقة العُجب : تكبر يحصل في الباطن من تخيل كمال من علم أو عمل، وينبغي للسالك إذا دخل عليه العُجب أن يتفكَّرَ في حال من مات على الكفر، بعد أن كان عابداً لكونه أعجب بنفسه كبلعام[2]، ويتفكر في حال إبليس، وأن يقول لنفسه : لا تعجبي بالعمل، حتى تتحققي أن الله تعالى قبله، لأن العمل الذي لم يتحقق قبوله كيف يُعجب به صاحبه، ولا شك أن الله تعالى ذمَّ العُجب فقال : {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25].
وأما الغُرور : فهو من أسباب الإهلاك، قال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[لقمان:33].
وقال عز وجل :{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[الحديد:14].
والغرور : هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، وسكون النفس إلى ما يوافق الهوى من الخيالات والشُّبه، فهو نوع من الجهل.
وأنواع المغترين كثير، فمنهم : من اغتر بأن الله كريم رحيم، وخاض في المعاصي، ولا شك أن الله تعالى كريم رحيم، ولكن جميع القرآن دال على أن كرمه ورحمته تعالى بتوفيقه في الدنيا للخيرات.
قال عزَّ من قائل : {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:125].
ومنهم : من اغتر بتقوى آبائه وأجداده، وقُربهم من الله تعالى، ولم يتفكروا في قوله لنوح : {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:46].
ومنهم : من اغتر ورضي بمجرد زي الصالحين والصوفية، فظن أن التصوف لبس الصوف فقط.
ومنهم : من اغتر بخلع الفوارق وترك الأعمال.
ومنهم : من اغتر بحفظ كلام السادات واصطلاحاتهم.
ومنهم : من اغتر بما فتح عليه من المعرفة، فوقف عندها يظن أنه قد وصل.
وأحوال المغترين كثيرة، فالذي يجب على السالك أن لا يغتر بشيء، ولا يقف عند شيء، ولا يرضى بسفاسف الأمور، بل يطلب التحقيق واليقين، ويترك الشبه والأهواء، ولا يعتقد الشيء إلا ما هو عليه لأن الشيطان دسائسه كثيرة، ولا تجوز حبلته إلا على المغترين، وسأذكر جملة قليلة من حيله في الخاتمة إن شاء الله تعالى.
** ** **
1 - أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء343/2، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين.
2 - بلعام : هو بلعام بن باعوراء الذي قال الله تعالى فيه : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} وكان يعلم الاسم الأعظم وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه، فامتنع عليهم، ولما ألحوا عليه ذهب إلى معسكر موسى وقومه فأخد يدعو عليهم فجعل لسانه لا يطيعه.. واندلع لسانه حتى وقع على صدره.. (انظر البداية والنهاية 370/1-371).