إذا
أَفْنَاكَ عَنْ هَواكَ بِالحُكْمِ وَعَنْ إِرَادَتِكَ بِالعِلْمِ تَصِرْ عَبْداً
صِرْفاً لاَ هَوًى لَكَ وَلاَ إِرَادَةَ فَحِينَئِدٍ يُكْشَفُ لَكَ فَتَضْمَحِلُّ
العُبُودِيَّة فِي الوَحْدَانِيَّةِ فَيَفْنَى العَبْدُ وَيَبْقَى الرَّبُّ عَزَّ
وَجَلَّ.
إذا أفناك
عن هواك أي حظوظ نفسك بالحُكمِ، أي بالأمرِ المُنزل من حضرة الربوبية إلى عالم
حسِّ العبودية، وفي نسخة "بالحلم" باللام، وهو احتمال الأذى وتركه بحيث
ترى أنَّ ما يجري من الكائنات فعل الله تعالى، وعن إرادتك بالعلم اللَّدُنِّي تصير
عبداً صرفا، أي خالصاً لله حرًّا ممَّا سواه، لا هَوى لك ولا إرادة؛ لأنك فَنيتَ
عن نفسك بما ذكر، فعلمتَ أن الإرادة إنما هي لله قال الله تعالى : {وَمَا
تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}[التكوير:29] فحينئذ يكشف لك عن أسرار الإلوهية
فتضمحل عنك العبودية، أي تذهب في الوحدانية فيفنى العبد فيها ويبقى الرب عز وجل به.
الشَّرِيعَةُ
كُلُّهَا قَبْضٌ، والعِلمُ كُلُّهُ بَسْطٌ وَالمَعْرِفَةُ كُلُّهَا دَلَالٌ.
الشريعة
كلها قبضٌ لأنها حاملة لأثقال التكليف بالعبادة، والحامل مقبوض مكدود ، والعلم
اللَّدُنِّي كلُّه بسطٌ لأنه عن كَشْفٍ ومُشاهدة، وصار العمل عند صاحبه عادةً لا
ثقل فيها ولا تكلف، لأنه لم ير له وجوداً في عمله بل يراه فضلاً من الله ورحمة
فانبسط لذلك، والمعرفة بالله كلها دلال يتدلل بها العبد على ربه كتدلل المرأة على
زوجها بأن تُريَهُ جرأةً في تشكل حسن كأنها تخالفه وما بها خلاف، وهذا محض جود
وأفضال منه تعالى لا عرض له فيه يبعثه عليه .
ومقام
الدلال يقع في الانبساط في الأقوال والأفعال.