آخر الأخبار

جاري التحميل ...

كشف الغطاء في طريق الصوفية -29


ثم إن تواليف هؤلاء المتصوفة الخائضين في علم المكاشفة تعددت، وطال فيها الخوض وتعذر البيان، وعكف كثير من أهل البطالة على تصفحها، ووقف بهم العجز والكسل - الذي تعوَّذ منه النبي صلى الله عليه وسلم - عندها يظنون أن العادة بمعرفة أسرار الملكوت في طيِّ صفحاتها، وهيهات لذلك.

وما أوقع في هذا الخباط كله إلا الخوض في علوم المكاشفة الذي حقه عند أئمة القوم أن لا يُخاض فيه، وأنَّه سرُّ الله، فلا يفشيه عارف.

ولقد قتل الحسين بن منصور الحلاج بفتوى أهل الشريعة وأهل الحقيقة، وقصارى اعتذار من يحسن الظن به منهم أنه سكر فباح بالسر فوجبت عقوبته، وإلاّ فالأغلب في حقه التكفير.

ولقد نقل عنه صاحب كتاب (الغاية) عملاً من الأعمال السحرية لا يتعمدها مسلم، فكيف عارف، فإذن الخوض في علم المكاشفة والكلف بموضوعاتها ومقالات أهلها ضرب من البطالة، لأن الطالب لذلك إن كانت نفسه مرتقية بهمتها إلى المعرفة، متطلعة إلى فهم أسرار الملكوت فعليه بالمجاهدة والسلوك، فهما يفضيان به إلى ذلك، وليس له سبيل إلى المعرفة والعلم بأحوال الملكوت، من الألفاظ، والاصطلاحات، ومسطرات الدواوين، إذ لا دلالة للألفاظ عليها، لعدم الوضع، وعدم المناسبة للتجوز، كما مرّ. وإن كانت نفسه متكاسلة عن ذلك، منحطة إلى حضيض التقليد، فماله وكلمات يؤديه الخوض فيها إلى علم أشبه بعلوم الفلاسفة، بل علوم الفلاسفة ترجع إلى تخييل برهان بنظم أقيِسَة، وترتيب أدلَّة، بخلاف أقوال هؤلاء، فإن البرهان الصناعي مفقود، والوجدان مخصوص، فلم يبق إلا القبول بمجرد حسن الظن بهم [لو أبانت الألفاظ عن مقاصدهم]، وكيف يحسن الظن بهم، وكثير من ظاهر أقوالهم مخالف لظاهر الشريعة، ولا يحسن ظن بمن خالف الشرع في قول ولا عمل "ذُكرَ لأبي يزيد رجل، وصف له بالعرفان،؛ وطلب زيارته، فلما أشرفَ عليه رآه في المسجد وهو يتنخم، فرجع عن زيارته وقال : من لا يؤمن على أدب من لآداب الشريعة، كيف يؤمن على أسرار الله".

فإذا كان الشرع نهى هؤلاء عن الخوض في علوم المكاشفة، وهم لا ينتهون، فكيف يوثق بهم في أسرار الله تعالى، وتتلقى منهم بحسن القبول ؟.

هذا لو خلصت عبارتهم من الإبهام، فكيف وهي متلبسة ببدعة أو كفر. أعاذنا الله.

فليس هذا الذي سموه تصوفاً بتصوف، ولا مشروع القصد، والله أعلم.


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية