آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مشارق أنوار القلوب و مفاتح أسرار الغيوب



مشارق انوار القلوب و مفاتح اسرار الغيوبكتاب : مشارق أنوار القلوب و مفاتح أسرار الغيوب

المؤلف: ابن الدباغ، ابو زيد عبد الرحمن

يتألف الكتاب من عشرة أبواب: (في الطريق الموصلة للنفوس الذكية إلى المحبة الحقيقية, في المحبة ومعانيها واختلاف عبارات الناس فيها, في أقسام المحبة الجنسية والنفسية, في معنى الجمال والكمال, في المحبة المعنوية الخفيّة عن أذهان البريّة, في أقسام المحبين من السالكين, في مقامات السالكين وأحوال العارفين, في منازل الواصلين من أهل التمكين, في ذكر العشق على الإجمال وما يتصل بذلك من الأحوال, في الفضائل التي تكتسبها النفس بطريق المحبة). وقد اخترتُ الباب الرابع (في معنى الجمال والكمال) لهذا البحث، لما له من ارتباط بحياتنا وارتقاء بجوهر الفرد.

مقدِّمة


اعلمْ أنَّ مطلب ذوي العقول الكاملة والنُّفوس الفاضلة نيلُ السَّعادة القُصوى، التي معناها الحياة الدَّائمة في الملأ الأعلى، ومشاهدة أنوار حضرة قُدس المولى، والتَّلذذ بمُطالعة الجمال الإلهي الأسنى، ومعاينة مطالع النور القدسي الأبهى، وهذه السعادة لا تحصُل إلا لنفْس زكيَّة، قد سبقتْ لها في الأول العناية الرِّبانية، بتيسيرها لسلوك الطرق العلمية والعملية، المُفضيات بها إلى المحبة الحقيقية، والشوق إلى الأنوار الإلهية. وبحصول هذه السعادة، تحصل للنفوس العارفة من اللذة والابتهاج ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر.

وإذا تقرّر ما قلناه فيجب على كل ذي لبّ المبادرة إلى حصول هذا الأمر الجليل ، وورود هذا المورد السلسبيل، الذي لم يصل إليه من الناس إلا القليل، بل أقلّ من القليل، فإن هذه السعادة هي المطلوب من هذا الوجود، وغاية لذّة العقولِ، والمعنى الأشرف المقصود،  ولا يُدرَك بمجرّد الحواس الظاهرة ولا بقُوَى الجسم الباطنة المركبة فيه، فإنها لا تُدرك إلا المحسوسات ولا تلتذّ إلا بها، ولذاتُ المحسوسات بائنة منقطعة عن قريب وهي مع ذلك حجاب في الذهاب عن الله تعالى وعن العالم العلوي،وإنما تُدرك هذه السعادة وتلتذ بها النفوس الفاضلة، ذوات الإدراكات الكاملة، بما قرّرناه، فإنها من جنس العالم الأعلى وأُنموذجٌ منه، وقد خُلقت فيها أهلية الاتصال به، ولكن لا يمكنها ذلك ما دامت عاشقة للذات العالم الأسفل مُقبلةً بكليتها عليه، فإن ذلك يوجب إعراضها عن العالم العلوي، إذ عشقُ هذه الأجسام وشهواتها البهيمية صارفٌ عن اللذات الملكية الباقية في دار البقاء على نحو ما سبق في التقدير. وفي مثل ذلك قيل(من الكامل) :

حَيْرَانُ فِي سِجْنِ الحَوَادِثِ مُوثَقٌ       خدنُ الصّبابَةِ فِي الحَضِيْض الأَوْهدِ
نَسِيَ المَعَارِفَ وَاللّطَائِف فَانْبَرى  يَبْغِي الحَيَاةَ مِنَ المَوَاتِ الجَلْمَدِ

تنبيه : وإنما سبق للنفس اللذّة بالمحسوسات قبل اللذّة بالأمور الروحانيّة لتقدّم الحواسّ وقُوى الطبع البدني من أول النشئ قبل اندراج نور العقل وإشراقه على اللذات الإنسانية، فلما كان الجسم أوّل منزل دبرته النفس أوجب ذلك لها محبة الأجسام وشهواتها من أول الأمر، وكلما طالت إلفتُها لذلك قوي حبّها للذات الجسم وغلب عليها سلطان الوهم المضادّ لحكم العقل، فنازع العقل أشدّ منازعة حتى صار كثير من النفوس لا يشعر أن وراء لذة الأجسام وشهواتها لذة لغلبة الوهم والخيال عليها ولذلك لا تشتاق إلى عالمها لكونها لم تعرفه ولم تألفه، وقبل الجسم لم يكن لها وجود أصلا، فإنها حادثة مع بدنها فلا يمكن صرفها عن عشق المحسوسات في الميل إلى المألوفات إلا بعشق عنيفٍ هو أشدّ من ذلك إلى معشوق أكمل وأتمّ لذةً عند من عرفه من اللذات المحسوسات لتتعلّق النفس بعشقه فيصرفها عن عشق لذّات الجسم ولا يمكّنها من الميل إليها على ما سيأتي بيانه.

إشارة : وإنما جعل الحقّ تعالى هبوط النفس إلى هذا العالم الأسفل على معنى الابتلاء لها إمّا لتحصيل الكمال بالمعرفة الموصلة إلى محبّة الله تعالى والقرب منه فتحوز بذلك السعادة الأبدية، وإمّا لتكسب الأخلاق الرديّة وتنقاد للشهوات الطبيعية المُبعدة عن الله تعالى.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية