للرفع أربع علامات الضمة والواو والألف والنون :
أوّلها : الضمّة، أي ضمّ المريد إلى الشيخ وصحبته وخدمته وتعظيمه ومحبته. «والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح».
وثانيها : الواو، واو الهوية والحقيقة، فلا بدّ للمريد أن يفنى في الذات حقيقة، فَمَنْ لا فَنَاء لَهُ لا بقاء له، فيفنى أولاً في الاسم ثم في الذات، فبقدر الفناء يكون البقاء، وبقدر السكر يكون الصحو.
وثالثها : ألف الوحدة، فلابد أن يكون فرد الفرد، فيكون له قصد واحد ومحبة واحدة وإرادة واحدة، ويكون ذلك بقلب مفرد فيه توحيد مجرد.
ورابعها: نون الأنانية، فلا يزال يذكر الاسم حتى يكون عين المسمّى فَيَقُول حينئذ: «أنا من أهوَى وَمَن أَهوَى أَنَا».
فيغيب الذاكر فى المذكور، فلقد قال غير واحد في مقام الفناء : أنا، وقال آخر في مقام البقاء : هو، فيقال للأول : صدقتَ، ويُقال للثاني : أحسنتَ وتأدبتَ، كما قال بعض العارفين.
وهنا إشارة أخرى، فيُشيرُ بالضم إلى ضم النفس وكفها عن خظوظها وهواها، بلِجام المجاهدة والمخالفة، فيرتفع إلى مقام المشاهدة. وبالواو إلى الودّ والمحبة في الله ورسوله والشيخ الذي يوصله إلى حضرته و الإخوان وسائر عباد الله، فالمحبة هي أصل الطريق وبها يقع السير إلى عين التحقيق، فإذا وصل أحبه الله فكان سمعه وبصره وكُلِّيته لقوله :«إذا أحببته كنت هو» فإذا أحبه الله نودي بمحبته في السموات فيحبه أهل السموات، ثم تنزل محبته إلى الأرض كما في الحديث، قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا}[مريم:96] ويشير بالألف إلى الوحدة كما تقدم، وبالنون إلى نور التوجه ثم المواجهة، فنور التوجه للسائرين، ونور المواجهة للواصلين، والمراد بنور التوجه حلاوة المعاملة وما يجده المريد في سيره من النشوة والسكر، ونور المواجهة هو نور الشهود، يواجه الله تعالى بأسرار ذاته فيغيبه عن رؤية الوجود سوى ذات المعبود وفي ذلك يقول الجنيد رضي الله تعالى عنه :
وُجودي أَن أَغيبَ عَن الوُجُود ... بِما يَبدُو عَليَّ مِنَ الشُّهُود
منية الفقير المتجرد
وسمير المريد المتفرد
وسمير المريد المتفرد