الفصل
الرابع : في الرد على من اعترض على أهل الله
(سئل)
الإمام ابن حجر رحمه الله عن قوم من الفقهاء ينكرون على الصوفية إجمالا أو تفصيلا
فهل هم معذورون أم لا ؟
(فأجاب) بقوله : ينبغي لكل ذي عقل ودين أن لا يقع في ورطة الإنكار على هؤلاء القوم فإنه السم
القاتل كما شوهد ذلك قديما وحديثا. وقد قدمنا صحة قصة ابن السقاء المنكر على ولي
الله فأشار له أنه يموت كافرا فشوهد عند موته بعد تنصره لفتنته بنصرانية أبت منه
إلا أن يتنصر، مستقبل الشرق وكلما حول للقبلة يتحول إلى الشرق، حتى طلعت روحه وهو
كذلك. وأنه كان أوجه أهل زمانه علما وذكاء وشهرة وتقدما عند الخليفة فحقت عليه
الكلمة بواسطة إنكاره.
وأن الإمام أبا
سعيد بن أبي عصرون إمام الشافعية في زمانه صدر منه لذلك الولي نوع قلة أدب، فوعده
بأن يغرق في الدنيا إلى أذنيه، فولاه نور الدين الشهيد الأوقاف بدمشق وكان كذلك،
وأما سيدي عبد القادر الجيلاني تأدب مع هذا الولي فدعا له ووعده بالولاية وأن قدمه
سيصير على رقبة كل ولي.
فانظر سوء
الأدب وفائدة الأدب.
وروي عن عن
المشايخ العارفين والأئمة الوارثين أنهم قالوا : "أقل عقوبة المنكر على
الصالحين أن يحرم بركتهم، قالوا ويخشى عليه سوء الخاتمة" .نعوذ بالله من سوء
القضاء. وقال بعض العارفين : "من رأيتموه يؤذي الأولياء وينكر مواهب الأصفياء
فاعلموا أنه محارب لله مبعد مطرود عن حقيقة قرب الله" .
وقال الإمام
المجمع على جلالته وإمامته أبو تراب النخشبي رضي الله عنه : "إذا ألف القلب
الإعراض عن الله صحبته الوقيعة في أولياء الله تعالى". وقال الإمام العارف
شاه بن شجاع الكرماني : "ما تعبَّدَ متعبد بأكثر من التحبب إلى أولياء الله،
لأن محبتهم دليل على محبة الله عز وجل".
وقال أبوالقاسم القشيري : "قبول قلوب المشايخ للمريد أصدق شاهد لسعادته، ومن رده قلب
شيخ يرى شؤم ذلك ولو بعد حين، ومن خذل بترك حرمة الشيوخ، فقد أظهر رقم شقاوته وذلك
لا يخطئ".
ويكفي في عقوبة
المنكر على الأولياء، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "من آذى لي
وليا فقد آذنته بالحرب) أي أعلمته أني محارب له، ومن حارب الله لا يفلح أبدا.
قال العلماء : لم يحارب الله عاصيا إلا المنكر على الأولياء وآكل الربا، وكل منهما يخشى عليه خشية قريبة جدا من سوء الخاتمة إذ لا يحارب الله إلا كافر .
وحكى اليافعي
عن الإمام عبد العزيز الديريني : أنه أدركه المغرب وهو في حاجة فصلى وراء فقيه
يلحن في قرائته، فعزم الشيخ على الإقامة عنده ليعلمه، فلما سلم قال له : يا عبد
العزيز الحق حاجتك فإن من هي عنده يريد السفر، وما عليك من هذا اللحن الذي سمعته
والتعليم الذي نويته. قال : فركبت وتوجهت إلى مقصدي، فلما وصلت إلى من عنده تلك
الحاجة وجدته عازما على السفر ولو تأخرت ساعة فاتني .
وذكر اليافعي
أن جماعة من الفقهاء أنكروا على جماعة من الصوفية لحنهم في مواجيدهم فأعادوا تلك
الكلمات في الحال وأعربوها بوجوه ثم أنشدوا:
لحنها معرب
وأعجب من ذا.... أن إعراب غيرها ملحون
وقال بعض
المشايخ لبعض الفقهاء المنكرين عليه بعد ما عرض له أسد فمنعه منه : اشتغلتم بصلاح
الظاهر فخفتم الأسد واشتغلنا بصلاح الباطن فخافنا الأسد .
وقال آخر لمن
أنكر عليه قراءته آية ملحونة : "إن كنت لحنت في قراءة القرآن، فقد لحنت أنت
في الإيمان" وذلك أنه لما أنكر عليه وخرج، قصده السبع فخشي عليه منه لضعف
إيمانه وقلة يقينه. إذ هو كلب من الكلاب أو دابة من الدواب لا تتحرك إلا بإذن رب
الأرباب.
ووقع لصوفي أنه
دخل بلد فتخلف فقيه عن زيارته فسأله أهلها أن يدعوا الله لهم بأن يغاثوا من شدة ما
عندهم من الجدب، فقال : اسألوا فقيهكم فإن سقيتم بدعوته زرته. فسألوه فقال : بل
اسألوه هو فإن سقيتم بدعائه زرته. فرجعوا إليه فدعا فسقوا في الحال فجاء الفقيه
فزاره .
ومما يلجئك على
اعتقادهم ما جاء عن أبي الحسن النوري أنه وأصحابه رموا بالزندقة وسعى بهم إلى
الخليفة، فجئ بهم وبسط لهم النطع لتضرب أعناقهم فبادر النوري فقال له السياف : ولم
تبادر للقتل ؟ فقال : لأوثر أصحابي بحياة ساعة لأننا قوم بنينا مذهبنا على
الإيثار، فأنهى الأمر إلى الخليفة فتعجب من ذلك فأرسل له قاضيه ليسأله عن مسائل
مشكلة، فالتفت عن يمينه وشماله وأطرق، ثم تكلم عليها بما يشفي الصدور. فرجع القاضي
وهو يقول : إن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض صديق. فأطلقوهم .