وأما التحذير من تركه (الذكر) فثابتٌ أيضاً بالكتاب والسنة والأثر.
أما الكتاب : فقال تعالى : {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}[الكهف:28] وقال : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ}[الزمر:45] وقال في ذم المنافقين : {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلً}[النساء:142] وقال : {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36]وقال :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون:9] إلى غيرها من الآيات.
وأما السنَّة : فقال صلى الله عليه وسلم :(من لم يذكر الله فقد برئ من الإيمان)[رواه الطبراني] وقال : (إنَّ اللهَ تَعَالَى يقولُ: يا ابنَ آدمَ إنك إذا ذكَرْتني شكَرْتني، وإذا نسيتني كفَرْتني)[ أخرجه الطبراني عن أبي هريرة ] وقال صلى الله عليه وسلم : (مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا وَتَفَرَّقُوا مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، وما مَشَى أَحَدٌ مَمْشًى لم يذكر الله فيه إلاّ كان عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا أَوَى أَحَدٌ إِلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ إلاّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً) وقال صلى الله عليه وسلم : {مَا جَلَسَ قَومٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكرُوا الله تَعَالَى فِيهِ ولَم يُصَّلُّوا عَلَى نَبِيِّهم فِيهِ إلاَّ كانَ عَلَيّهمْ تِرةٌ، فإِنْ شاءَ عَذَّبَهُم، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُم}[ رواه الترمذي] وأصلُ الترة النقص ومعنها هاهُنَا يقال : وترت الرجل ترة على وزن وعدته عدة. وقال صلى الله عليه وسلم : {لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكرُوا الله تَعَالَى فِيهَا)[رواه الطبرانى والبيهقي عن معاذ رضى الله عنه] إلى غير ذلك من الأحاديث وتقدّم شيء من ذلك.
وأمّا الأثر : فقال معاذ رضي الله عنه : {لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكرُوا الله تَعَالَى فِيهَا}وقال سهل : {مأ أَعلَمُ مَعصِيةً أَقبَحُ مِنْ تَرْكِ ذِكْرُ الربِّ} وقال : {إنَّما مَنعَ اللهُ الغَافلينَ لَذَّةَ مُناجاتِهِ لأنَّهُ لَمْ يُرْضِ عُقُولهُمْ لمعرِفَتِهِ ولَا أَبْدَنُهُمْ لِخِدْمَتِهِ فَأَذَلَّهُمْ وَجَعَلَهُمْ عَبِيدَ الدُّنْيَا} وقال النووي : {لكل شيء عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر}وقال مالك بن دينار : {من لم يأنس بحديث الله عن حديث الخلق ، فقد قل عمله، وعمي قلبه، وضيع أمره}قال الحسن البصري :{تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة والذكر وقراءة القرآن ، فإن وجدتم ذلك وإلا فاعلموا أن الباب مغلق} قال ابن عطاء الله بعد نقله لذلك في مفتاح الفلاح : لأن كل قلب لا يعرف الله لا يأنس بذكر الله تعالى ولا يسكن إليه. وقال سيد الطائفة الجنيد بن محمد رحمه الله تعالى : {الغفلة عن الله أشدُّ من دُخول النار} وقال أبو يزيد رحمه الله تعالى : {لا عقوبة أشد من الغفلة؛ لأن الغفلة عن الله طرفة عين أشد من النار} وقال الجنيد : {لو أقبلَ صادِقٌ على اللهِ أَلفَ سنَةٍ ثم أعرَضَ عنهُ لحظةً كان ما فاتَهُ أكثرَ مما نالَه} وقد بينت معنى قوله هذا في ترجمته من كتابي "كنز الفوائد شرحٌ لنظمي بحرُ العقائد".