الفَصلُ الأَوَّل
الخطاب الصّوفي، خطاب شمولي
استغراقي
الفصل الأوّل :
الخطاب الصّوفي، خطاب شمولي لا جرم أن الحديث عن التقاطع الحاصل بين النص والخطاب
من حيث التصور والشمولية والمقصد، أدى بالمشتغلين في مجال لسانيات النص بعامة
وتحليل الخطاب على وجه أخص أن يميزوا بين الإطلاقين في كثير من الاستعمالات التي
يأخذها كل واحد منهما؛ الأمر الذي أدى فيما بعد أن اختلفت وجهات النظر سواء في
الفكر الغربي أو العربي.
غير أن الذي نريده في شأن الخطاب في تعالقه مع واقع النص من بعض الوجوه، هو مدى تحلي الخطاب ببعض مواصفات النص من حيث التركيب والوظيفة(1)،وهو أمر لّربما يجعلنا نبتعد إلى حد كبير من تلكم الاختلافات التي لا جدوى فيها بكم أنّها أحكام حاول كل اتجاه أن يتبنى مرجعية معرفية وفلسفية وفكرية معينة وهو يتعامل مع النص على نية الأسبقية، أو مع الخطاب على نية تلكم الشمولية والاستغراق الذي يحتويها من كل مكان. وفي رأينا أن كل منهما له ما له وعليه ما عليه. والصواب الذي يجعل الباحث المهتم بواقع الخطابات والنصوص هو أن يولي اهتمامه إلى ما يمكن أن نطلق عليه بمدأ الإجراءات النصية أو الخطابية التي تجعله بحق يتعامل مباشرة مع بنية النص أو الخطاب عن طريق المقربات أو المناهج أو المفاهيم أو المصطلحات التي يريد تسليطها على هذين الحقلين المعرفين: النّص والخطاب.
من هذا المنطلق يمكن أن نطرح عدة تساؤلات منهجية في حق كل من النص والخطاب، فما هو الخطاب والنص من منظور التصور العربي؟ ما هي أهم ميزة ينماز بها كل من الخطاب والنص؟ كيف يكون التعامل مع كل منهما داخل السياقات التركيبية؟ هل بالإمكان أن يكون الخطاب أشمل وأوسع وأعمق من عالم النص لاسيما وأننا نريد التعامل مع مدونة صوفية وجدت في عالم الخطاب متنفسا وجوديا كونيا لم تجده في عالم النص؟.
جاء على لسان حال ابن منظور في تحديده للخطاب ما يلي" الخطاب لغة: خطب، الخطب الشأن أو الأمر، صغُر أو عظُم، وقيل: هو سبب الأمر، يقال: ما خطبُك؟ أي ما أمرك؟ وتقول: هذا خطب جليل، وخطب يسير، والخطب: الأمر الذي تقع فيه المخاطبة، والشأن والحال، ومنه قولهم: جل الخطب أي عظُم الأمر والشأن. وفي حديث عمر: وقد أفطروا في يوم غيم من رمضان؛ فقال: الخطب يسير. وفي التنزيل{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} وجمعه خطوب؛ فأقول الأخطل:
كلمع أيدي متَّاكيل مسلَّبة *** يَندُبن ضَرس بنات الدَّهر والخُطُب"
إنما أراد الخطوب؛ فحذف تخفيفا، وقد يكون من باب رهنِ ورُهن(2)
ولم يخرج صاحب القاموس المحيط عما أشار إليه ابن منظور في شأن مفهوم الخطاب القائم على دلالة الشأن والأمر العظيم على اختلف السياقات التي يرد فيها لفظ الخطاب. يقول في هذا المقام ما بيانه«الخطب : الشأن، والأمر صغُر أو عظُم، جمعه خطوب، وخَطَبَ الخَاطِب على المنبر خُطبة، بالفتح، وخُطبة بالضم، وذلك الكلام : خطبة أيضا، أو هي الكلام المنثور المسجَّع ونحوه. ورجل خطيب: حسَن الخُطبة»(3).
** ** **
1- يلخص الباحث الناقد اللساني محمد العبد أهم الفروقات بين النص والخطاب التي انعقد الإجماع عليها نظريا، فيكون أن النص بنية مترابطة تكون وحدة دلالية، في حين إن الخطاب يستوجب النظر إليه على أنه موقف ينبغي للغة أن تحاول العمل على مطابقته، وعلى ذلك فإن الخطاب أوسع من النص، فالخطاب ليس بنية بالضرورة، ثم إن غلبة النص على المكتوب، والخطاب على الملفوظ ليس حاسما، فأحدهما يلتبس بالآخر على سبيل التوسع، ولكن يذكر محمد العبد في مقام آخر فرقا أساسيا بي النص والخطاب يعتمد على معيار الطول والقصر؛ حيث إن الخطاب يتميز بالطول، في حين أن النص قد يطول وقد يقصر. ينظر بالتفصيل إلى: محمد العبد: النص والخطاب والاتصال. الأكاديمية الحديثة للكتاب الجامعي،مصر،ط2014،2 ص:12.
2- ابن منظور: لسان العرب. دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1965مادة خطب.
3- الفيرزو أبادي: القاموس المحيط. مادة خطب.