آخر الأخبار

جاري التحميل ...

السير والسلوك الى ملك الملوك - 16

وأما الرياء : فهو حرام، لقوله تعالى : {فَوَيْل لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ}[الماعون:4-6].
وقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110].

وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جَازَي العبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ : اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا للِأَجْلِهِمْ، فَانْظُرُوا، هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ الجَزَاء).[1]

واعلم أن المرائي لا شك أنه يريد أن يكون له في قلوب الناس منزلة، وهذا الذي يبعثه على الرياء، وطالب طريق الحق يجب عليه أن يسعى على إسقاط منزلته من قلوب الخلق، فحينئذ المرائي بعيد عن طريق الحق.

وأما حب الجاه والرئاسة : فإنه مذموم قاطع عن الطريق الحق، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (حَسْب ابن آدم مِنْ الشَّرّ - إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّه - أَنْ يُشِير النَّاس إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينه وَدُنْيَاهُ)[2].

وقال علي رضي الله عنه : (تَبَذَّلْ ولا تُشهَّرْ ولا تَرْفَعْ شَخْصَكَ لِتُذْكَرَ، واكْتُمْ واصْمُتْ تَسْلَم، تَسُرُّ الأبْرارَ وتَغيظُ الفُجّارَ).
وقال إبراهيم بن أدهم : (ما صَدقَ مَنْ أَحبَّ الشُّهْرَة وانتِشَارُ الصِّيتِ ).

واعلم أن حب الشهرة، هو المذموم، وأما نفس الشهرة وانتشار الصِّيت، فقد يكون محموداً، وقد يكون مذموماً، فإن قصد به تعظيم نفسه واحتقار غيره، فهو مذموم، وإن قصد به إرشاد الخلق ونفعهم فهو محمود ومثاب عليه.

ولا شك أن جاه الأنبياء والخلفاء الراشدين أوسع كل جاه، وهم مثابون عليه، وعلامة الجاه المحمود، أن يكون صاحبه كالمكلف في حمله، فإذا جاء من ينوب عنه، ويكفيه التعب فرح به واغتنمه، ولم يغتظ منه، بل يري منته عليه.

وعلى كل حال متى مال قلب السالك إلى حبِّ الجاه والرئاسة انقطع عن الطريق، فيجب عليه حب الخمول، وتعاطي أسبابه، وهي الأشياء التي تسقط منزلته عند الناس، حتى إذا دخل لم يعتنِ به أحد، ولا يرد عليه السلام، وهذا حال المريد الصادق.

وأما كثرة الكلام : فهي مذمومة، لأنها يتولد منها أمور محرَّمة، وأمور مكروهة مثل : ذكر المعاصي السَّالفة، وذكر أقوال الخَنَا، والمجادلة التي هي المراء، والخصومة والتشدُّق في الكلام بتكلف السجع والتصنُّع، والسب والفحش، واللعن والمزاح الزائد على الشرع، والسخرية والاستهزاء، وإفشاء السر والكذب، واليمين، والغيبة والنميمة، وأمثال هذه المحرمات من الخوض فيما لايعني.

وآفة اللسان آفة مهلكة، لم يكن أخطر منها، وجميع القبائح متفرعة منها، فلذلك مدح النبي صلى الله عليه وسلم : الصمت وحثَّ عليه، وأمر به أصحابه فقال : (الصَّمْتُ حِكمَة، وقَليلٌ فَاعِلُهُ)[3]، وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ صَمَتَ نَجَا).[4]

وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : (وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).[5] 

وكان أبو بك الصديق رضي الله عنه يخاف من فلتات اللسان، فيضع في فيه حصاة، لتمنعه من الكلام، وكان يقول : "هذَا الذِي أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ القَبِيحَة"، ويشير إلى لسانه.

ومن عِظَمِ ما رأى ابن مسعود من آفة اللسان كان يقول : "الله أكبر ما مِن شيء أَحقُّ بالسِّجنِ مِنَ اللِّسَانِ".

وقال صلى الله عليه وسلم : (مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ بِأَظَافِيرِهِمْ، فَقُلْتُ :يَا جِبْرَِئِيل مَنْ هَؤُلَاء ؟ فَقَالَ : الَّذِينَ يَغْتَابُونَ النَّاسَ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ).[6]

**   **  **
1 - أخرجه الإمام أحمد في المسند والسيوطي في جمع الجوامع.
2 - أخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار 269/3 والسيوطي في جمع الجوامع 9892.
3 - أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 449/7ن وابن حجر في المطالب العالية 3219.
4 - أخرجه الترمذي حديث 2501 والدارمي 299/2، وأحمد في المسند 159/2.
5 - أخرجه الترمذي حديث 2616، وأحمد في المسند 236/5 والسيوطي في الدر المنثور 221/2.
6 - أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين533/7.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية