آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل -27

الباب السادس والعشرون في الهوية 


هوية الحق غيبه الذي لا يمكن ظهوره لكن باعتبار جملة الأسماء والصفات، فكأنها إشارة إلى باطن الواحدية، وقول: فكأنها إنما هو لعدم اختصاصها بنعت أو مرتبة أو وصف أو مطلق ذات بلا اعتبار أسماء أو صفات، بل إشارة إلى جميع ذلك على سبيل الجملة والانفراد.

وشأنها الإشعار بالبطون والغيبوبية، وهي مأخوذة من لفظة "هو" الذي للإشارة إلى الغائب وهو في حق الله تعالى إشارة إلى كنه ذاته باعتبار أسمائه وصفاته مع الفهم بغيبوبية ذلك. ومن ذلك قوله:

إنّ الهويةَ غيبُ ذاتِ الواحد ...... ومن المحال ظهورُها في الشاهد
فكأنَّها نعت وقد وقعت على ...... شأن البطون وما لذا من جاحد

وإعلم أن هذا الاسم أخص من اسمه الله، وهو سرّ الاسم، ألا ترى أن اسم الله ما دام هذا الاسم موجوداً فيه كان له معنى يرجع به إلى الحق، وإذا فكّ عنه بقيت أحرفه مقيدة المعنى. مثلاً إذا حذفت الألف من اسم الله يبقي "لله" ففيه الفائدة، وإذا حذفت اللام الأولى يبقى “ له “ وفيه فائدة، وإذا حذفت اللام الثانية يبقى " هـ".
والأصل في "هو" أنها هاء واحدة بلا “واو “ وما لحقت بها الواو إلاَّ من قبيل الإشباع، والاستمرار العادي جعلهما شيئا واحدا .فاسم "هو" أفضل الأسماء.

اجتمعت ببعض أهل الله بمكة زادها الله تعالى شرفاً في آخر سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فذاكرني في الاسم الأعظم الذي قال النبي صلي الله عليه وسلم الله تعالي عليه وسلم أنه في آخر سورة "البقرة" وأول سورة "آل عمران"، وهذا الكلام وإن كان مقبولاً فإني أجد للاسم الأعظم رائحة أخرى .وما أوردت ما قاله هذا العارف إلاَّ تنبيهاً على شرف هذا الإسم. وكون الإشارة النبوية وقعت عليه من الجهة المذكورة أنه أعظم الأسماء. 

واعلم أن اسم "هو" عبارة عن حاضر في الذهن يرجع إليه بالإشارة من شاهد الحسّ إلى غائب الخيال.
وذلك الغائب لو كان غائباً عن الخيال لما صح الإشارة إليه بلفظة "هو" فلا تصح إلا إلى الحاضر. ألا ترى إلى الضمير لا يرجع إلا إلى المذكور إما لفظاً أو قرينة وإما حالا كالشأن و القصة،  وفائدة هذا أنه يقع على الموجود المحض الذي لا يصح فيه عدم ولا يشابه العدم من الغيبوبة والفناء، لأن الغائب معدوم من الجهة أي لم يكن مشهودا فيها فلا يصح هذا في المشار اليه بلفظة "هو".

فعلم من هذا الكلام أن الهوية مسمى الوجود والحق الصريح المستوعب لكل كمال وجودي شهوديلكن الحكم على ما وقعت عليه الغيبة هو من أجل ذلك غير ممكن بالاستيفاء فلا يمكن استيفاؤه ولا يدرك.

فقيل أن الهوية غيب لعدم الإدراك لها، فافهم، لإن الحق ليس غيبه غير شهادته ولا شهادته غير غيبه بخلاف الانسان وكل مخلوق كذلك فإن له شهادة وغيبا ، ولكن شهادته من وجه واعتبار ، وغيبه من وجه واعتباروأما الحق فغيبه عين شهادته ، وشهادته عين غيبه ، فلا غيب عنده من نفسه ولا شهادة ، بل  له في نفسه غيب يليق به، وشهادة تليق به، كما يعلم ذلك من لنفسه ولا يصح تعقيل ذلك له ، إذ لا يعلم غيبه ولا شهادته على ما هي عليه إلا هو سبحانه وتعالى.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية