أنت يا أيها الأسير لهذه الأربعة أشياء : الشهوات، والعبادات والمقامات، والمكاشفات المترتبة على سبيل الترقي مغرور بسبب دخولك تحت أسر هذه الأغيار، فلا تظن نفسك من جملة المُقربين الأخيار ما دُمتَ مُلتفتاً إلى هذه الفتن المتصورة، في صور القرب، ومشتغلاً عن مؤثرها بالآثار، أنتَ مشتغلٌ بك، أي : بحظوظ نفسك الظاهرة كالشهوات، والخفيّة كالعبادات والمقامات والمُكاشفات عنه، أي : عمن تزعم أنك تريد التقرب إليه، والإقبال عليه وهو الله سبحانه وتعالى، أين الاشتغال المعهود لك يعني اشتغالك الذي تزعم أنه به، أي بالله سبحانه وتعالى عنك، أي : عن نفسك فضلا عن سائر الأغيار، فإنك كاذبٌ فيه، إذ لو كنتَ صادقًا ما التفت إلى شهوة ولا إلى عبادة، ولا مقام ولا مكاشفة، ولأفردتَ المقصد إليه تعالى وحده دون جميع ما عداه. ولجردتَ الهمة والعزم إليه تعالى وتركت كل ما سواه ثم تركتَ لكل ما سواه ولم تلتفت إلى ذلك الترك، لأنه غيره تعالى وتركتَ الالتفات إلى همتك وعزمك إليه تعالى لأن ذلك كله أغيار له تعالى، فمتى أقبلت على شيء من ذلك فأنت كاذبٌ في دعوى إقبالك على الله تعالى، ونقل ابن عطاء الله الاسكندري في "التنوير في إسقاط التدبير" عن شيخه أبي العباس المرسي رضي الله عنه أنه كان يقول :(لَنْ يَصِلَ الوَلِيُّ إِلَى اللهِ حَتَّى تَنْقَطِعَ عَنْهُ شَهْوَةَ الوُصُولِ إِلَى اللهِ) ثم قال رضي الله عنه تنهيضاً للسالك باستبعاد ما هنالك وهو أي : من أنت مغرور بغيره مشتغل بنفسك عنه، والواو للحال، عز عن أن يكون حضوره كحضور خلقه في مكان وزمان وهو عزيز عن أن يغتر أحد بغيره وجل عن أن يكون نظره كنظر خلقه بجارحة، أو مسافة، أو جهة أو هو جليل عن أن يشتغل عنه أحد، حاضر أي : موجود رقيب غير غائب حتى تغتر بغيره ناظر أي : مبصر لكائناته كله، لا يخفى عليه شيء منها، فكيف تشتغل عه بنفسك، ثم أكد ذلك بقوله : وَهُوَ مَعَكُمْ أيها العباد المخلوقون بصفة القيومية الثابتة لذاته العليّة، لا أنتم معه كما سنبينه أَيْنَ مَا كُنْتُمْ أي وجدتم في عالم الدنيا التي وجودكم المخلوق فيها له نهاية، وفي عالم الآخرة التي وجودكم المخلوق فيها لا نهاية له.