ومن سبقت له رتبة عالية حرّكه إلى النهوض لأسبابها إذا أراد الله أن يظهر فضله عليك خلق فيك ونسب إليك، ومن سبقت له رتبة متوسطة حرَّكهُ إلى أسبابها على ما جرى به القدر السابق فلا يصح الاحتجاج بالقدر في هذه الدار.
فإن قلت : قد ورد في الحديث أن آدم وموسى عليهما السلام، قد تَحاجَا فقال موسى عليه السلام لآدم : "أنت الذي خَيَبتَناَ وأخرجتنا من الجنة، وقال آدم : يا موسى أتلومني على أمر قضاه الله عليَّ قبل أن أخلق، فَحَجَّجَ آدم موسى" أي غلبه بالحجة.
قلنا : كان هذا الاحتجاج بعد موتهما في دار البرزخ وليست دار التكليف، وإنما هي دار التعريف، فيصح الاحتجاج فيها بالقدر، قال : قلت : كيف يتوجه العتاب إلى العبد وهو لم يفعل شيئا في الحقيقة ؟ قلنا : توجه إليه باعتبار نسبة الفعل لنفسه على الاختيار الذي خلقه الله فيه الظاهر. رُوي أن العبد إذا بلغ حَدَ التكليف أرسل الله إليه ملائكة [ولعلهم الحفظة] فيقولون له : من أنت ؟ فيقول : عبد الله. فيشهدون عليه بالعبودية لله، فإذا تحرك أول حركة، قيل له : من فعل هذا ؟ فيقول : أنا، فيشهدون عليه بنسبة الفعل لنفسه. فعلى هذه النسبة يقع الحساب، فمن خرج عنها ذوقا وكشفاً، ورآها من الله حقًا سقط عنه الحساب كما تقدم في السبعين ألفا والله تعالى أعلم.