طلسام
توحيد الصفات
اعلم أن هذا الهيكل الإنساني جعله الله أنموذجًا ربانيًا تحاكي صفاته صفات الرحمن، فجعل فيه قدرة وإرادة وعلما وحياة وسمعاً وبصرًا وكلامًا. وهذا معنى الحديث أن الله خلق آدم على صورته على بعض التأويلات، إلا أن هذه الصفات التي جعلها الله فيه، حادثة ناقصة، وصفات الحق تعالى قديمة كاملة وهي كامنة في الإنسان كمون الثمار في الأغصان، أو كمون الزبد في اللبن، فاحتجبت صفات الحق القديمة بصفات العبد الحادثة، وقد تخرق له العادة فيظهر عليه من العلم أو القدرة أو السمع أو البصر أو الكلام ما يبهر العقول، ثم يستر ذلك عنه فيرجع لأصله، وتقف عند حدِّه، فلما احتجبت عنه صفات الحق بطلسام وجود صفات نفسه، زعمَ أنَّه يقدر بقدرته ويريد بإرادته، ويحيا بحياته، ويسمع بسمعه، ويبصر ببصره، ويتكلم بكلامه، وفي الحقيقة إنما صفاتُهُ قائمة بصفات الحق الحق، وشعاع من شعاعها لا تأثير لها أصلا، فإذا انكسر عنه هذا الطلسام الوهمي، وارتفع له الحجاب عن توحيد الصفات تحقق ألّا قدرة له، ولا إرادة ولا علم ولا حياة إلّا بقدرة الله وإرادته
وكذا سائر صفاته، فصار يتحرك بقدرة الله، ويريد بإرادته، ويسمع ويبصر بالله، ويتكلم بالله، وفي ذلك يقول الششتري زضي الله عنه :(أنا بالله أنطق ومن الله أسمع).
وقول القطب ابن مشيش : حتى لا أرى، ولا أسمع ولا أحس ولا أجد إلا بهما. وفي مثل هذا ورد الحديث : (فإذا أحببته كنتُ سمعَهُ الذي يسمعُ به، وبصره الذي يبصر به) الحديث والله تعالى أعلم.