وَأَمَّا
مُطَالَعَةُ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِتَعْظِيمِ
الْحَقِّ، وَمَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وَتَصْدِيقِ الْوَعِيدِ.
لأن
"تعظيم الحقِّ" يوجب تعظيم الجناية، فإن مخالفة العظيم عظيمة، يجب
تداركها؛ وخصوصا إذا عرف حقارة النفس. فإنَّ جرأة مَن هو أحقرُ الأشياء على من هو
أعظمُ العظماء أقبح. فيتشمَّر النفس للتنصُّل عنها بالتوبة والاستغفار وطلب التمحيص.
وإذا صدَّق
الوعيد جدَّ في ذلك، وزاد في الطاعة وإصلاح ما أفسده بالمخالفة.
وَأَمَّا
مَعْرِفَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا تَسْتَقِيمُ
بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِسَمَاعُ الْعِلْمِ، وَإِجَابَةُ دَوَاعِي الْحُرْمَةِ،
وَصُحْبَةُ السَّالِكين الصَّالِحِين.
إنما لا يمكن ولا يصحُّ "معرفة الزيادة والنقصان" إلا بالتعلُّم، لأنها موقوفة على تمييز المنجيات والصالحات الموجبة للترقِّي وزيادة القُرب من الله في المرتبة من المهلكات والسيِّئات، الموجبة للنقصان، المبعدة من الحقِّ. وذلك لا يكون إلا "بسماع العلم" والموعظة وبمعرفة الحرمات.
وهي التكليفات
والأحكام الشرعية التي لا يحلُّ هتكها حتى يعظمها، فإن "إجابة دواعيها"
تعظيمها بامتثال الأوامر والنواهي الإلهيَّة.
وَمَلاكُ ذلِكَ كلّه خَلْعُ العادَات
فإنَّ النفس تعوَّدت بالبطالة والركون إلى الشهوات واللذات ومحبَّة الخلاعة بمقتضى نشأتها، فيجب عند تيقُّظها أن تخلعها بالتزام العزائم واجتناب الرُّخص فإنها لوازم النوم والغفلة، وموجبات الانتكاس والتسفُّل. فما لم تخلعها عن نفسها بتعوُّد أضدلدها لا يمكنها السير والترقِّي.