ما رواه الإمام الشاطبي عن أكثر من أربعين شيخًا صوفيًّا في إثبات السنَّة ودَحض البِدعة كما صرَّح به بعد تدوينه.
طرحنا
هذا المبحث تحت عنوان : التصوُّف الحقيقيّ في نظر السلفيّين الحقيقيّين سنة
وهداية، والصوفيّة في السلف الصالح، وزاد ابن خلدون أنَّه طريق الهداية، وتعمَّدنا
أن نبني أساسه على آراء السلفيين، واعتمدنا في تحقيقه على إمامَين من أقطاب
السلفيّة الحقيقيّة : هما الإمام ابن تيميّة والشاطبي، إذ حجّة الأئمة للغير -
خاصة من السلفيين لِلصوفيّة - أقوى من حجَّة يقيمها الغير لنفسه. وإنه لباعتبار ما
اعتمده الإمام الشاطبي في "الاعتصام" بجانب ما اعتمده الإمام ابن تيمية
في كتاب "الإيمان" وكتاب "الفتاوي ج 11" كما سيأتي تمامه في
مباحث موالية، سنكون قد أخدنا عن أئمَّة السلفيّة صورة واضحة، عن مصدر التصوف
الإسلامي وحقيقته وسنيَّته وشرعيّته. فهم أكثر من علماء الصوفيّة تمحيصاً للموضوع.
فقد
ركّز الإمام الشاطبي على حقيقة التصوف ورجاله، واحتجّ بأقوال إبراهيم بن أدهم و ذي النُّون المصري والجنيد وإبراهيم الخواص، وغيرهم من مشاهير التصوف وشيوخه ومؤطّره،
واستعان بآرائهم في إثبات السنَّة ودحض البدعة، كما أكّد ذلك في آخر عرضه، فقال :
"وكلامهم في هذا الباب يطول. وقد نقلنا عن جملة ممَّن اشتهر منهم، ينيف على
على الأربعين شيخا. جميعهم يشير أو يصرَّح بأن الابتداع ضلال". (الاعتصام 98/1)
ولعل
أخطر ما أصيت به قضية الوئام والانسجام، الذي ساد بين السلف الصالح، من العلماء
المحقِّقين، والصوفيّة الحقيقيّين، والسلفيّين الحقيقيّين من جهة، وبين شرائح
المجتمع وطبقاته من جهة أخرى، ولاحظناه قديما بين العلماء الصوفية والسلفيين، وبين
شرائح المجتمع بالمغرب، هو الذي تجلّى في الفكر المتناقض لمن يعرفون بالسلفيين
الجدد. خلطوا الأوراق، وسمّموا الأفكار، وفرَّقوا الصفوف... وقد بلغ بهم الجهل
والغرور أن توهَّموا أنّهم على حق وغيرهم على باطل، وأنَّهم سنيُّون والصُّوفيّة
مُبتدعة. في حين أنَّ الإمام الشاطبي لم يثبت أن الصوفيّة سنيُّون فحسب. وإنما
اعتمد على آرائهم في إثبات السنَّة ودَحْض البدعة. وهل هؤلاء المُعدِّلون
والمُجرِّحون - باسم السلفيّة - لَأصحاب الحق والحقيقة، أوفَى علما، وأقوى إيمانا،
وأفضل صلاحا، وأكثر سلفية من الإمام الشاطبي ؟ إن ما تجلى في أعمالهم وأقوالهم وتصرّفاتهم،
يدل على أنهم ليسوا بصوفية ولا بسلفيّين بالمعنى الذي نبحث عنه. وفيهم يصدق قول
ابن النحوي :
وخِيَارُ
الخَلْقِ هُدَاتُهُمُ وَسِوَاهُمْ مِنْ
هَمَجِ الْهَمَجِ