آخر الأخبار

جاري التحميل ...

المعرفة عند الصوفية


المعرفة عند الصوفية

الطالب: هشام نوزري باحث 
في الإسلاميات والتصوف.
يحتل التصوف مكانة كبيرة في إطار الفكر الإسلامي، إذ يعدُّه بعض العلماء والدارسين أحد الموضوعين الأساسيين الخاصين بعلم الشريعة، إلى جانب العلوم الأخرى التي تكون أسس هذا الدين، فالتصوف علم يبحث فيه عن الأحكام الشرعية للأفعال الباطنة. ومن جانب آخر عُدَّ التصوف أحد اتجاهات الفكر الإسلامي الذي يقف إلى جانب علم الكلام والفلسفة الإسلامية، على اعتبار أنه يعتمد منهجا معرفيا يقوم على التصفية والمجاهدة والحدس الباطني للنفس من أجل الوصول إلى المعرفة المطلقة. 

تحتل نظرية المعرفة عند الصوفية مكانة سامقة الذرى ذات أهمية بالغة، إذ أنها تكشف حقيقة السبل التي يسلكها الصوفية لمعرفة الله تعالى. ومعرفة الله عند هؤلاء هي مقياس نباهة الإنسان وسر تفوقه على غيره في هذا الكون على سائر المخلوقات الأخرى، فكانت درجة المعرفة التي بلغها أي واحد هي المقياس الذي ينبأ عن مرتبته في الحياة. لأن المعرفة في حقيقتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجال العرفاني الذي يؤهل الإنسان إلى رتبة يستطيع من خلالها اكتشاف البعد الروحي والجمالي تجاه خالقه؛ فلا يمكن الوصول إلى هذه الغاية السامية – أي معرفة الله – بسهولة؛ بل لابد من محاسبة النفس ومكابدتها كلما أرادت الخروج عن نهج الله تعالى، وهذا لايتأتى إلا بالمعرفة الحقة التي تؤدي بصاحبها إلى بلوغ مقامات الخضوع والعبودية لله على أكمل وجه. ولذلك فإن المشهور عند الصوفية أن المعرفة تنقسم إلى ثلاث درجات هي: علم اليقين، وهو أدنى مرتب العلم، والذي يكون عن طريق النظر والتأمل ثم الاستدلال، ومن ثم تأتي درجة علم اليقين، وهي الدرجة الدنيا من المعرفة الصوفية، ثم حق اليقين والدرجة العليا من المعرفة الصوفية، وفيها يشاهد الصوفي عالم الغيب كما يشاهد المرئيات؛ لأنه توصل إلى مقام العرفان الروحي الذي صار يمكنه من رؤية أمور كثيرة لا تتأتى لغيره. 

وأصحاب المعرفة متفاوتون في الدرجات وبعضهم مخالف لغيره؛ وهو مقسمون إلى عدة أقسام. وهذا ماأشار إليه البسطامي بقوله: أصحاب المعرفة أقسام:(معرفة العوام، ومعرفة الخواص، ومعرفة خواص الخواص، فمعرفة العوام معرفة العبودية ومعرفة الربوبية ومعرفة الطاعة ومعرفة المعصية ومعرفة لحدود النفس، ومعرفة الخواص معرفة الإجلال والعظمة ومعرفة الإنسان والمنة ومعرفة التوفيق، وأما معرفة خاص الخواص فمعرفة الأنس والمناجاة ومعرفة اللطف والتلطف، ثم معرفة القلب ثم معرفة السر.ولاتتنافى كل واحدة من هذه الأنواع مع الأخرى ولا تتعارض معها، وجميعها ضرورية للسالك). 

وقال الجنيد رحمه الله:" أشرف كلمة في المعرفة قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: سبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته". وقال بعضهم:" حقيقة المعرفة اطلاع الحق على الأسرار، بمواصلة لطائف الأنوار". 

وأنشدوا في المعنى: شعر 

للعـارفـيـن قـلوبٌ يعـرفــونَ بهــا ... نورَ الإلـهِ بسـرِّ السـرٍّ في الحُـجُـبِ 
صمٌّ عن الخلقِ عٌمْيٌ عن مناظرهم ... بكمٌ عن النُّطْقِ في دعواهُ بالكذبِ. 

وقيل لمحمد بن واسع: هل عرفت ربك؟ فسكت ساعة، ثم قال:" من عرفه كَلَّ لسانه، ودهش عقله". وأي دهشة من دهشة العارف، إن تكلم بحاله هلك، وإن سكت احترق، لأن العارف لايفترُ عن ذكره، ولايمل من حقه، ولايستأنس بغيره، وذلك أن صفة العارف جسم ناعم، وقلب هائم، وشوق دائم، وذكر لازم. 

وقال بعض العارفين:"إن شمس قلب العارف أضوأ من شمس النهار؛ لأن شمس النهار قد تكسف، وشمس القلب لاكسوف لها، وشمس النهار تغيب بالليل، وشمس القلوب بالليل أضوأ". وذلك أن حقيقة المعرفة الحياة بالذكر، وحقيقة الجهل الغفلة عن ذكر الله؛ ومن عرف الحق بالجود استغنى عن الطمع في ما دونه، ومن عرفه بالقدرة استغنى بالهيبة عن من دونه، ومن عرف لطفه تبرأ من ماسواه.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية