مَن ادّعى أن شيخه هو النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أخذ منه بلا واسطة من المشائخ الكمل فكلامه باطل مردود.
ولا تظنّ أن أحداً من هؤلاء
المتشيِّخين وضع قدما واحداً في أوّل مقام ارتقى إليه المشائخ الكمل فضلاً في مقام
يأخذ عن رسول االله عليه صلى الله عليه وسلم. قال الشعراني في لطائف المنن : (إن
ادعى أحدٌ أنه يأخذ عن رسول االله عليه السلام الأدب والعلم فاسألوه عن كيفية ما
وقع له، فإن قال: رأيت نوراً ملأ المشرق والمغرب وسمعت قائلاً يقول لي من ذلك
النور في ظاهري وباطني لا يختص بجهة من الجهات: اسمع لِما يأمرك به نبيّي ورسولي؛
فصدّقوه، وإلا فهو مفتر كذاب) فعلم أن مقام الأخذ عن رسول االله صلى الله عليه
وسلم بلا واسطة مقام عزيز، لا يناله كل أحد.
وقال أيضا : (وقد سمعت سيدي عليًّا
المرصفي رحمه االله يقول: بين الفقير وبين مقام الأخذ عن رسول الله صلى عليه
السلام بلا واسطة مئتا ألف مقام وتسعمائة وتسعة وتسعوناً مقاماً، وأمهاتها مائة
ألف مقام، وخاصّتها ألف مقام، فمن لم يقطع هذه المقامات كلها فلا يصح له الأخذ
المذكور).
وقال في في موضع آخر: (فإن غالب فقراء
الزمان اليوم صاروا يجلسون بلا إذن من شيخهم، وبعضهم مات شيخه ولم يأذن له، فادّعى
أنه جاءه في المنام فقال له: ابْزِزْ للناس.وبعضهم ادّعى أن رسول الله صلى الله
عليه وسلّم أذن له، وهو بعيد!! فإن بين مقام الأخذ عن رسول االله صلى الله عليه
وسلم كذا وكذا ألف مقام ما أظنّ أنَّ هذا حصّل منها مقاماً واحداً! كما مرّ
تقريره).
وفي (الفتاوى الحديثية) لابن حجر: وفي
(المدخل) لابن الحاج المالكي: رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة باب ضيِّق وقلَّ
من يقع له ذلك إلا من كان على صفة عزيزة وُجُودُها في هذا الزمان، بل عدمت غالباً
مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهُم االله تعالى في ظواهرهم
وبواطنهم .فليتأمله المنصف الغير المتعصِّب، فإن الإنسان بصير على نفسه، عليم
بحاله، وإن استمر هذا المدعي على دعوى قطعه هذه المقامات فيقال له: ما المقام
الأول منها؟ فلعله يجهل، ولا يتكلم، فلا يجيب ويفتضح فيخجل.
وأما دعوى أن النبي عليه السلام رؤي في
المنام، وأذن له للتلقين والإرشاد، فهو غير مقبول، واالله أعلم؛ لما في (الرملي)
من الصيام: (ولا اعتبار بقول من ادعى رؤيته عليه السلام، وأنه أخبره في النوم
بأنَّ غداً من رمضان، ولا يصح الصوم به إجماعاً لا لشك في رؤيته، وإنما هو لعدم
ضبط النائم).
خاتمة : الإذن المعتبر عند السادة
الصوفية، هو الإذن: من الشيخ لمريده بأنه مؤهل لتربية المريدين، أما الإذن من الله
ورسوله فيصعب التحقق منه لكثرة المدعين، وربما قد يلتبس على الشخص وهو لا يشعر
فيظن أنه أهل لذلك المنصب فيَهلك ويُهلك من معه.