آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التصوف ومصطلح الصوفية -2


المقدمة
في حدِّ الكرامة وفرق ما بينها وبين المُعجزة


قال العارف بالله تعالى عبد الله بن أسعد اليافعي(1) في كتابه "نشر المحاسن" ما حاصله: 
"ما تقول السادة القهاء : أئمة الدين ومصابيح المسلمين، وفقهم الله لاتباع الحق في العلم والعمل، وحفظهم من الزيغ والزلل، في كرامات الأولياء، هل هي حق أم لا ؟ فإن قلتم هي حق، فهل يجوز أن تبلغ الكرامة مبلغ المعجزة في حسنها وعظمها ؟ وما الفرق بين الكرامة والمعجزة؟ وكذلك ما الفرق بينها وبين السحر؟ وهل ظهرت الكرامات وكثرت في زمن الصحابة رضي الله عنهم كما ظهرت وكثرت فيما بعد؟ فإن قلتم ظهورها فيما بعد أكثر فلم ذلك والصحابة رضي الله تعالى عنهم أفضل الأمة ؟ وهل يقال بكفر مَن قال المؤمن يعلم الغيب، أم لا يُقال بهحتى يسأل ماذا أراد بذلك؟ فإن قلتم يسأل فسئل، ففسر ذلك بشيء يقولون بجوازه، فما الجواب عن قوله عز وجل {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}[النمل:65] وهل أصحاب الكرامات من الأولياء أفضل، أم بقية الأولياء أفضل، أم بقية الأولياء الذين ليس لهم كرامات؟ وهل علماء الباطن العارفون بالله تعالى أفضل، أم علماء الظاهر ؟ أعني علماء الشرع، وهل بين الشريعة والحقيقة فرق أم لا ؟ أفتُونا مأجورين إن شاء الله تعالى.

الجواب : ما قاله عبد الله بن أسعد اليافعي في "نشر المحاسن" : تحدي النبوة في زمن تمكن فيه قبل ختمها بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده، ومدعي النبوة بعده سوى عيسى بن مريم كافر بالإجماع، قال إمام الحرمين أبو المعالي محمد بن عبد الملك الجويني في كتابه "الإرشاد" : (المرضي عندنا تجويز جملة خوارق العوائد في معارض الكرامات ولا يفترقان إلا في تحدي النبوة)، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : (أن المعجزات تختص بالأنبياء، والكرامات تكون للأولياء؛ لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها، والولي لا يدّعي نبوّة، فما ظهر عليه لا يكون معجزة). وقال الإمام أبو بكر بن فورك : (المعجزات تدل على صدق مدعي النبوة، والكرامات على صدق اتباع الأنبياء صلوات الله عليهم في اتباعهم وميراث علمهم، وهي شاهدة على المعجزات لا منها، وإن كانت من جنسها).اه بمعناه.

وقال حجة الإسلام الغزالي في رسالته القدسية شرط الخارق في كتابه المحصَّل : (تتميز الكرامة من المعجزة بتحدي النبوة). وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي بن عبد الملك السلمي الطبري [2]في كتابه "المعين على مقتضى الدين" : (الكرامات من جنس المعجزات لأن كليهما دلالات صدق، ويختلفان من حيث التسمية، فمن ادعى نبوة دلّت معجزته على قدم صدق عند ربه وصحة دعواه، ومن ادعى ولاية دلَّت على صدقه في حاله، فهي كرامة تدل أن له قدم صدق عند ربه وسابقة حسنة، وعلى صحة اتباعه وميراثه من حظوظ علم الأنبياء صلوات الله عليهم). وقال نصر الدين الطوسي[3] في "قواعد العقائد" : (والخارق للعادة من غير تحد كرامة لا بشرط عصمة، بل حفظ أو توبة عن اختيار، ولاق جحد المعتزلة، الكرامة وشرط العصمة لولي، أي تشك في درجة النبوة وما ظهر بلا تحد اختص بالأولياء وهي كرامة). وقال الإمام النسفي[4] في "عقائد الحنفية" ويلقب بحافظ الدين : (كرامات الأولياء جائزة خلافا للمعتزلة للمشهور من الأخبار، والمستفيض من حكايات الأخيار، ولا يقال لو جاز ذلك لانسد طريق الوصول إلى معرفة النبي، لأن المعجزة تقارن دعوى النبوة،ولو ادعاها الولي لكفر من ساعته).وقال أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري[5] في رسالته المشهورة : (وظهور الكرامات, علامة صدق من ظهرت عليه في أحواله، وشرائط المعجزات كلها أو أكثرها توجد في الكرامة إلا دعوى النبوة).

هذه أقوال عشرة من أئمة المسلمين في أصول الدين.
**   **   **
1 - عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي، عفيف الدين: مؤرخ، باحث، متصوف، من شافعية اليمن. سنة 696هـ في جبال يافع، جنوب اليمن.2 - ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد. قاضٍ وإمام مبرِّز من بلاد فارس.(المتوفى: 685هـ).
3 - أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (18 فبراير 1201 - 26 يونيو 1274)، المعروف باسم نصیر الدین الطوسي .
4 - أبو البركات حافظ الدين النسفي هوعبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (ت.710هـ- 1310م) فقيه حنفي، ولقب ب(أبو البركات)، ظهر في مدينة نسف، أوزبكستان.
5 - عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة أبو القاسم القشيري إمام الصوفية، وصاحب الرسالة القشيرية في علم التصوف، ومن كبار العلماء في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر، (376 هـ - 465 هـ)، الملقب بـ "زين الإسلام".

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية