قال الشبلي لتلميذه الخضري رحمهما الله تعالى : (إن خطر ببالك من الجمعة إلى الجمعة غير الله فلا تعدنا) وكان يأتيه في كل أسبوع مرة. وقيل أنه كان في ابتداء أمره ينزل كل يوم سربا، ويحمل مع نفسه حزمة من القضبان ، فكان إذا دخل قلبه غفلة ضرب نفسه بتلك الخشبة حتى يكسرها على نفسه، فربما كانت الحزمة تفنى قبل أن يمسي، فكان يضرب بيديه ورجليه على الحائط واللهُ ذرّه حيث قال :
الصبر يحمد في المواطن كلها إلا عليك فإنه لا يحمد
وكيف يليق بالعبد الفقير أن يصبر على مولاه الكبير، أم كيف يحسن به أن يغفل عن من أبرزه من العدم إلى الوجود، وغداه في الرحم بدم أمه، أم كيف لا يذكره وهو ذاكر له في كل أنفاسه، ومقبل عليه بجلي لطفه، ما ذاك إلا جنون، ما ذاك إلا فتون، والله ما أحسن قول العارف المُحبُّ الصادق أبي بكر الشبلي رحمه الله تعالى :
ذكرتك لا أنّي نسِيتُكَ لمحةً وأيسَرُ مافي الذكرِ ذكرُ لساني
وكِدتُ بلا وَجدٍ أموتُ من الهوى وهام عليَّ القلبُ بالخفقانِ
فلما أراني الوجدُ أنَّكَ حاضري شَهِدتُكَ موجوداً بكل مكانِ
فخاطبتُ موجوداً بغير تكلم ولاحظت معلوما بغيرِ عيانِ
قال الأستاذ أبو القسم القشيري رحمه الله تعالى : (ومن خصائص الذكر أنه غير مؤقت، بل ما من الأوقات إلا والعبد مأمور بذكر الله، إما فرضاً أو ندباً، والصلاة وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز فى بعض الأوقات، والذكر بالقلب مستدام في عُموم الحالات). قال الله تعالى : {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}.[آل عمران:191]
سمعت الإمام أبا بكر فُورَك رحمه الله يقول : (قيامًا بحق الذكر، وقعُوداً عن الدعوى). قال ابن عباس رضي الله عنهما : (أي، بالليل والنهار في البر والبحر، والسفر والحَضَر، والغنا والفقر، والمرض والصحة، والسر والعلانية) وقد تقدّم أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. قال المُلَّا علي القاري رحمه الله في شرح الحصن الحصين : (وهذا يدل على أنه كان لا يغفل عن ذكر الله تعالى لأنه كان صلى الله عليه وسلم مشغولاً بالله، ذاكراً لهُ في كل أوقاته)، وأما في حالة التخلي فلم يكن أحد يشاهده، لكن شرع لأمته قبل التخلي وبعده ما يدل على الاعتناء بالذكر ولذا عيّن من الذكر عند الجِماع، فالذكر عند نفس قضاء الحاجة، وعند الجِماع لا يكره بالقلب بالإجماع، وأمّا الذكر باللسان حينئذ فليس ممّا شرع لنا ولا ندبَنا إليه صلى الله عليه وسلم، ولا نُقِلَ عن أحد من الصحابة، بل يكفي في هذه الحالة الحياء والمراقبة وذكر نعمة الله في إخراجه هذا المؤذي الذي لو لم يخرج لقتل صاحبه، وهذا من أعظم الذكر ولو لم يقله باللسان.