آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شرح منازل السائرين عبد الرزاق القاشاني- 13

بابُ التَّوَبَة


قال الله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات - الآية 11]

حرَّضَ على التَّوبة بتصدير الباب بالآية الدالَّة على أنَّ الظلم منحصرٌ في مَن لم يتُب؛ فلذلك قال :

فَأَسْقَطَ اسْمَ الظُّلْم عَنِ التَّائِبِ.

فإنَّ مفهوم الحصر أن ليس بظالم مَن تاب. قال :

والتَّوبةُ لا تَصِحُّ إلّا بَعدَ مَعرِفَة الذَّنب.

فإنَّ التَّوبة هي الرجوع عن مخالفة حكم الحقِّ إلى موافقته، فما لم يعرف المُكلَّفُ حقيقة الذنب وكون الفعل الصادر عنه مخالفًا لحُكمِ الحقِّ، لم يصحّ له الرجوع عنه. قال :

وَهِي أَن تنظر فِي الذَّنب إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء : إِلَى انْخِلاعِكَ مِنَ الْعِصْمَة حِين إِتْيَانِهِ، وَفَرَحِكَ عِنْد الظُّفْرِ بِهِ، وَقُعُوِدَك عَلَى الْإِصْرَار عَن تَدَارُكه مَعَ تَيَقُّنِكَ نَظَرَ الحَقِّ إِلَيْكَ.

فسَّر معرفة الذَّنب بالنظر إلى أنه إذا خالفَ الحقَّ كان منخلِعاً عن عصمة الله وقت مخالفته، فكان ضالاًّ عن سواء السبيل، لقوله تعالى : { مَنْ يَعْتَصِم بِاَللَّهِ فَقَدْهُدِيَ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم }[آل عمران:101] والمُعلَّق بالشرط عدمٌ عند عدمه، فإذا لم يعتصم فقد ضلَّ؛ ولو اعتصم بالله لعصمه الله، فلم يخالفه؛ فإذا تبيَّن ضلاله بالمُخالفة رجع إلى المُوافقة، وإذا علم فرحه عند الظفر بإتيان الذنب حزن وتدارك، وإذا أحسَّ بالقعود عن تداركه مُصراًّ - أي مستمرًّا - على الذنب، ندم وجدَّ في التدارك وتلافى التقصير، وعزم على ترك المعاودة. وذلك لا يكون إلا إذا تيقَّن بنظر الحقِّ إليه عند المخالفة؛ وإلا كان كافرا، ولا توبة للكافر.

فظهرَ أن مُراد الشيخ رضي الله عنهم، معرفة الذنب معرفة لوازمه، وما يوجب صحَّة عزمه في الرجوع عنه، وترك العَوْد إليه.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية