وشرائط التوبة
ثلاثة أشياء الندم والاعتذار والإقلاع.
وشرط
الشيء ما يتوقَّف عليه وجوده، والتوبة تتوقَّف على الندم بالقلب والاعتذار
باللِّسان بكثرة الاستغفار، والإقلاع بالجوارح، وهو الكفُّ عن الذنب حتى ينخرط في
سلك الرجوع عنه بالكليَّة وإلا لم تصحّ توبته. قال :
وحقائق التوبة
ثلاثة أشياء : تعظيمُ الجناية، واتهام التوبة، وطلب أعذار الخليقة.
وحقيقة
الشيء أصله، وما يتحقّق به وجودُه، فأصلُ التوبة أن يعظِّم التائبُ جنايتَه وإلاّ
لم يندم عليها؛ والندمُ شرطُ التوبة، فلا تتحقَّق التوبة بدونه، ومن لم يعظِّم
الجناية لم يستقبحها، فلا يعزم الرجوع عنه.
وأمَّا
"اتهام التوبة" فهو أن يعتقد أنه لم يقم بحقها كما ينبغي؛ وعسى الله لا
يقبلها لكونها مَؤُوفَةٌ(1) ناقصةً، فيخاف
ويجتهد في تصحيحها والثبات عليها.
والثالث
: أن يطلب لكل من جَنَى عليه وارتكب ذنباً عذراً، فيَعذِرُ الكلَّ في الذنب إلاّ
نفسَه. فيرى نفسَه شرّ الناس منفرداً في الذنوب، فيتعاظم عنده عظم جنايته، إذ لا
يرى أحداً من الناس أسوء حالاً منه؛ فيجتهد في تصحيح توبته والاقلاع بالكليَّة عن
جنايته. قال :
وَسَرَائِرُ
حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: تَمْيِيزُ التَّقِيَّةِ مِنَ
الْعِزَّةِ، وَنِسْيَانُ الْجِنَايَةِ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ التَّوْبَةِ، لِأَنَّ
التَّائِبَ دَاخِلٌ فِي الْجَمِيعِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فَأَمَرَ
التَّائِبَ بِالتَّوْبَةِ.
يعني
أنَّ حقيقة التوبة لها ظواهرٌ وبواطنٌ، فظواهرُها ما ذُكرت، وبواطنها السرائر التي
ذكرها. فأولها تمييز التقيّة. أي التقوى من العزَّة، أي الجاه بين الخلق فإن كثيرا
من الناس يتوب ويجتنب المخالفات للرياء والجاه والحشمة بين الناس. فالصورة صورة
التقوى والتوبة والحقيقة عزَّة النفس وطلب الجاه. فَلْيَحْتَرِز التائبُ من ذلك
وَلْيُخْلِصْ النيَّة لله تعالى.
والثانية
نسيان الجناية لصفاء الوقت مع الله تعالى بالحضور، فإن ذكر الجفاء في وقت الصفاء
جفاء.
والثالثة
التوبة من التوبة، فإن الاشتغال بالحقِّ والتوجُّه إليه بالكليَّة، والوفاء بعهد
الفطرة ينفي تعلُّق الخاطر بالغير وذكر الذنب؛ وذلك يقتضي التوبة من التوبة
الموقوفة على معرفة الذنب وذكره. وكلّما ترقَّى السّالك إلى مقام أعلى ظهرَ له عِلَّة المقام السّافل؛ فإن التوكُّل ينفي النظر إلى فعله وفعل ما سوى الحقِّ،
والذنب والتوبة منه كلاهما من أفعاله. فالتوبةُ من التوبةِ مِنْ أسرارِ التَّوبَةِ.
وقد
استدلَّ الشيخ رضي الله عنه على هذا المقام بقوله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ[التحريم:8} فإن التائب من جملة المؤمنين،
فدخل في الجميع، فكان مأموراً بالتوبة، ولم يبق ذنبٌ يتوب عنه؛ فإنه قد تاب، فوجب
عليه أن يتوب من التوبة الموقوفة على ذكر الذنب الذي هو الجفاء؛ فليتُب عنها
لِيَخْلَصَ عن الجفاء وقت الصفاء.
**
** **
1 -
المؤوفة: الآفة : هي العاهة، مؤوفة أي أصابتها آفة أي عاهة، أو عرض مفسد لها .