آخر الأخبار

جاري التحميل ...

  1. صافى الله في أعماله فصافاه الله برحمته فسمي صوفيا

    ردحذف

الخطاب الرّوحي في الأدب الصوفي -24

الخطاب الصّوفي (النشأة والجذور)


1 - مفهوم التصوف لغة:


من مادّة (ص و ف،) جاء في لسان العرب الصُّوفُ للضأْن وما أشبهه ... والجمع أصوافٌ وقد يقال الصوف للواحدة على تسمية الطائفة باسم الجميع[1]، وقال الزمحشري: فلن يلبس الصوف والقطن أي ما يعمل منهما .وكبش صاف وصوفاني ونعجة صافة وصوفانية :كثيرا الصوف. وصاف الكبش بعد زمره يصوف ويصاف صوفاً. "ولا أفعل ذلك ما ب هل بحر صوفة ".

ويقال :كان الصوفة يجيزون الحاج من عرفات أي يفيضون بهم، ويقال لهم :الصوفان وآل صفوان وكانوا يخدمون الكعبة ويتنسكون ولعل الصوفية نسبوا إليهم تشبيهاً بهم في النسك والتعبد أو إلى أهل الصفة فقيل: مكان الصفية الصوفية بقلب إحدى الفاءين واواً للتخفيف أو إلى الصوف الذي هو لباس العباد وأهل الصوامع[2].

وجاء في مختار الصحاح: " الصوف للشاة والصّوفة أخصُّ منه "[3]وإذا ما عرضنا إلى البحث عن اشتقا كلمة " صوفي" فسنجد أنه قد دار حولها نقاش كبير، واختلفت الآراء والاختلاف هذا يرجع إلى محاولة كل فريق إرجاع التصوف الإسلامي إلى مصدر بعينه.
وسنرى إلى أي حد كان هناك غلو ومبالغة في هذه الآراء، لاسيما ما تعلق منها بآراء المستشرقين الذين أدلوا بدلوهم في هذه المناقشات مؤيدة هذه المواقف بأدلة مستمدة من أقوال الصوفية أنفسهم.

فاشتقاقات كلمة " صوفي" تجدد لنا حقيقة التصوف الإسلامي ومنابعه، ومصادره الخاصة التي تجعله علما مستقلا منهجا وموضوعا، وهدفا متميزا عن العلوم الإسلامية الأخرى، وبخاصة الفقه وعلم الكلام والفلسفة.

ومن الآراء من يقول: إن الصوفية جاءت من أهل الصُّفة الذين يعزفون عن الدنيا والعيش مع اللذات الإلهية التي جاء بها القرآن الكريم، فقيل إن هناك قوم سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة، الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم[4].

ثم نجد " السراج الطوسي ،" يصفهم بأنّهم المقيمون في المسجد، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم محب لهؤلاء القوم الذين وجدوا فيه بدورهم طريق الهداية، وكان هؤلاء أشد الناس في الزهد، وهناك من يرى، بل ويؤكد أن ارتباط الصوفية بأهل الصفة هو النواة الأولى لهذا العلم، فيرون أن بذور الحياة الروحية لم تكن مغروسة في قلب النبي الكريم، وقلوب صحابته فحسب، وإنما هي نامية في قلوب الكثير ، ونذكر هنا " أهل الصفة " الذين عرفوا بالتأمل ومحبة الله[5].

وفي موضع آخر نجد أن الصوفية مشتقة من " الصوف " الذي كانوا يلبسونه للخشونة، وهذه مجاهدة للنفس التي يريدون من خللها الوصول للعبادة المطلقة، وهم أهل الورع والتقوى، فهنالك علاقة بين ارتداء الصوف، وبين التخفيف من متع الحياة والميل إلى الزهد والتنسك، والصوف لباس الأنبياء، ولذلك فاشتقاق الصوف أقرب الاشتقاقات إلى سلوك طريق ترويض الإرادة والعزوف عن متاع الحياة[6].

وهناك رأي يذهب إليه " جولد تسيهر،" وهو أن الزهاد المسلمين وعبادهم حاكوا أنساك النصارى ورهبانهم، فارتدوا الصوف الخشن، قبل أن يخمن أنه يمكن أن نرجع هذه العادة وهي ارتداء الصوف إلى عصر الخليفة " عبد الملك بن مروان "؛ حيث بدا فيه استعمال كلمة صوفي ،ومن ثمة يرى " جولد تسيهر" أن كلمة صوفي مشتقة من " الصفة "[7].

كما يرى الغزالي أن لفظة صوفي منسوبة إلى الصف الأول المقدم في الصلة، مشتقة منه لأن صاحبه واقف بين يدي الله وأمامه بقلبه وأسراره، ومنهم من يرى أن مرد كلمة التصوف إلى سوفيا  اليونانية،و"صوفيا "هي"الحكمة"[8].

ويرى السندوبي أن كلمة الصوفية ليست سوى مجموع أحرف، تعني الحكمة الإلهية، فإن لمجموع الأرقام التي تمثل الكلمة الأولى بطريقة حساب الجمل تعادل مجموع أرقام العبارة الثانية ، فالصوفي إذن هو الذي يبحث عن الله فيجده ، ويتعرف إليه ، " فالصوفي مركب من حروف أربعة: الصاد و الواو و الفاء و الياء ، فالصاد : صدقه ، و صبره و صفاؤه، و الواو: وجده و وده و وفاؤه و الفاء : فقره و فناؤه و فقده و الياء : هي ياء النسبة ، فإذا تكمل فيه ذلك أضيف إلى حضرة مولاه[9].

ويمكن القول إن التصوف مهما تعددت تعريفاته عند أصحابه، فإن جل شيوخه يجمعون على أنه الطريق إلى الله تعالى، غايته معرفة الله جل وعلا.
وهي غاية لا تحدث أو بالأحرى لا يصل إليها إلا عباد الله الذين بلغوا شأنا في عبادته، وقطعوا مدارج الطريق إليه حتى وصلوا إلى مرتبة الولاية، فكانت المعرفة من الله حضا له ، وحصل لهم حينئذ من فيوضات الحق على قلوبهم ما لم يحصل عليه غيرهم ممن لم يسلكوا طريقتهم. 

**   **
1 - ابن منظور ، لسان العرب ، مادة : (صوف) .
2 - الزمخشري ، أساس البلاغة ، دار الفكر ، بيروت ، دط ، 2004م، مادة (صوف) .
3 - مختار الصحاح ، مادة (صوف) .
4 - أبو بكر الكلبذي، التعرف لمذاهب أهل التصوف، تح : عبد الحليم محمود، وطه سرور ، القاهرة ،دط ، ،1960ص2.
5 - ينظر المرجع نفسه، التعرف لمذاهب أهل التصوف، ص2.
6 - إحسان إلهي ظهير، التصوف المنشأ والمصادر، إدارة ترجمان السنة، باكستان ، ط1، 1986 ، ص 21 وما بعدها ، و السراج الطوسي ،اللمع في التصوف ، طبعة القاهرة ، ص1960 ص 40-41.
7 - ينظر مجلة الموقف الأدبي، مجلة شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد ،380 كانون الأول2002.
8 - التفتازاني ، مدخل إلى التصوف الإسلامي ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة ،ط3 1979 ص21.
9 - حسن السندوبي ، أبو العباس المرسي ومسجده الجامع بالإسكندرية ، طبعة القاهرة ، 1944، ص84.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية