أصبـح الكثيـر مـن المختصين فـي العلـوم اقتصاديـة وكـل الفاعليـن الاجتماعييـن ، علـى اختـلاف مشاربهـم ، يدعـون إلـى الاهتمـام بالمسألـة الاجتماعيـة وإلـى تقويـة التضامـن بيـن الفئـات الاجتماعيـة والعمـل علـى رعايـة المهمشيـن والذيـن أصبحـت قيـود الفكـر تكبلهـم وتمنعهـم مـن الاضطـلاع بالـدور المنـط بهـم حتـى غـدا إشبـاع حاجياتهـم الأساسيـة شغلهـم الشاغـل .
لقـد أدرك المفكـرون الاقتصاديـون ضـرورة الاهتمـام بهـذه الفئـات قصـد إدماجهـا فـي مجتمعاتهـا لأن وضعيـة التهميـش التـي تعيـش فيهـا تشكـل قنابـل موقوتـة يمكـن فـي أي وقـت أن تنفـجر فـي تلـك المجتمعـات فضـلا عـن أنهـا تمنـع أصحابهـا مـن للمساهمـة فـي آليـات الإنتـاج نظـرا لضعـف تكوينهـم وأميـة عـدد كبيـر منهـم ممـا يجعلهـم غيـر مستعديـن للإسهـام بكيفيـة أكثـر فعاليـة بالنشـاط الاقتصادي.
ولهـذا نجـد النظريـات الاقتصاديـة المعاصـرة تحـث علـى ضرورة المساهمـة الفقـراء فـي مسلسـل الإنتـاج مـن خـلال اقتـراح برامـج متنوعـة تهـدف إلـى إدماجهـم فـي المجتمـع بوسائـل عديـدة منهـا إعـادة التأهيـل أو إعطـاء مدخـول يشكـل حـدا أدنـى يمكنهـم مـن تلبيـة حاجياتهـم الأساسيـة أو تنظيـم برامـج تربويـة خاصـة بهـم وبأبنائهـم . وقـد حاولـت كثيـر مـن مكونـات المجتمـع المدنـي ، سـواء فـي الـدول الغربيـة أو غيرهـا ، تطبيـق هـذه البرامـج مـن خـلال عملهـا علـى محاربـة الأميـة أو تشجيـع القـروض الصغيـرة أو إمـداد العجـزة مـن المعوزيـن بمـواد غذائيـة أو تشجيـع الميسوريـن علـى جمـع الثيـاب مـن أجـل الفقـراء .
وإذا كـان الخطـاب الـذي يرجـع كلمـا يتـم اكتشافـه أو العمـل بـه فـي هـذا المجـال أو داك إلـى أصـول إسلاميـة يعطـي الانطبـاع بـأن المسلـم يتفـرج علـى مـا يـدور حولـه حتـى إذا وصـل إلـى غيـر المسلميـن إلـى التجديـد أو الابتكـار فـي المجـال العملـي والتقنـي أو فـي الميـدان الاجتماعـي ، قـام مـن يقـول إن هـذا موجـود عندنـا فـي الديـن الحنيـف إذا كـان هـذا الخطـاب فعـلا متجـاوزا فـإن النزاهـة الفكريـة تفـرض الاعتـراف بـأن الإسـلام كـان سباقـا لوضـع أسس التضامـن الاجتماعـي . وبمقـدار مـا حـرص الإسـلام علـى ضـرورة احتـرام مبـدأ المسـاواة الكاملـة بيـن جميـع البشـر ، أكـد كذلـك علـى أن التفـاوت بيـن الطبقـات أمـر لا يتناقـض مـع هـذا الحـرص ، بـل إن الشريعـة الإسلاميـة تقـر صراحـة وجـود تفـاوت بيـن الفئـات المكونـة للمجتمعـات الإنسانيـة ، ولكنهـا حاربـت المبالغـة فـي كنـز الثـروات مـن طـرف الأغنيـاء والخمـول والتواكـل مـن طـرف الفقـراء . ومـن أجـل ذلـك حـرم الإسـلام كـل مـال يكسبـه الإنسـان بغيـر جهـد وعمـل ومعانـاة. ولهـذا نجـد أن اللـه تبـارك وتعالـى أحـل البيـع وحـرم الربـا كمـا منـع الاحتكـار والقمـار والمسيـر وكـل صفقـة تتـم عـن طريـق الانتظـار ولا يكـون وراء تحقيـق نتائجهـا عمـل سـواء كـان يدويـا أو فكريـا.
والفـارق الأساسـي بيـن المنظـور الإسلامـي والمنظـور الوضعـي للتضامـن هـو أن هـذا الأخيـر لا يهتـم بـه إلا مـن حيـث كزنـه عامـلا مـن عوامـل الاستقـرار الاجتماعـي ووسيلـة مـن وسائـل تحقيـق السلـم الاجتماعـي الذي يضمـن لكافـة الفقـراء تحقيـق مصالحهـم ويجعلهـم مطمئنيـن عليهـا . أمـا المنظـور الدينـي فإنـه يهتـم بهـذا الجانـب ولكنـه يتعـده ليجعـل مـن التضامـن الاجتماعـي وسيلـة للتقـرب للـه تعالـى ولتطهيـر النفـي وتزكيتهـا بإخـراج التعلـق بالمـال ومتـاع الدنيـا مـن القلـب وإنفاقـه فـي سبيـل اللـه حتـى يحـل محلـه نـور الإيمـان وتتقـوى بذلـك صلـة العبـد بخالقـه جلـت قدرتـه . أمـا المستفيـد مـن هـدا التضامـن ، فإنـه يطمئـن إلـى أن الفئـات الميسـورة لا تتجاهـل وضعيتـه فيقـوى إيمانـه باللـه تعالـى . فالفقـر كـاد أن يكـون كفـرا كمـا قـال الفـاروق عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه وأرضـاه .
ولهـذا نجـد النفقـة فـي سبيـل اللـه رحمـة لمـن يعطيهـا ولمـن يستفيـد منهـا علـى السـواء ، فهـي تمكـن كـل منهمـا مـن الاستفـادة مـن فضـل اللـه تعالـى ومـن العيـش الكريـم الـذي لا تستقيـم الحيـاة فـي الأرض مـن دونه، فالإسـلام يربـط التضامـن الاجتماعـي ليـس فقـط بالحاجـة إليه مـن أجـل توازن المجتمـع ولكـن بالخصـوص لأنه يقـرب الإنسان مـن اللـه تبـارك وتعالـى لاستـدرار رحمتـه سـواء كـان ميسور الحال أو معـوزا. وتشكل الزكـاة، كأحـد الأركـان الخمسـة فـي الإسلام، الوسيلـة الأساسية لتحقيـق التضامن الاجتماعـي كمـا تمثـل الصدقـة وسيلـة مكملة للزكـاة. وإذا كـان الإسـلام يحـث على العمـل ويعتبـر اليـد العليـا خيـرا مـن اليـد السفلى ، فلأنـه مبنـي علـى التوكـل ، لكـن كذلـك على الأسبـاب، فاللـه تبـارك وتعاـى أمـر مريـم العـذراء وهـي فـي حالـة مخـاض رغـم ألـم الـولادة ، أن تهـز بجـذع الشجـرة لتستطيـع أكل التمـر وهـو القـادر جلـت قدرتـه علـى أن ينزلـه عليهـا ، دون عنـاء منهـا .
فالتوكـل علـى اللـه حـق توكـل هـو نقيـض التوحـد لأنـه يحررهـا مـن لكسـل والخمـول ويحفـزه علـى الحركـة لأن السمـاء لا تمطـر ذهبـا ولا فضـة. ولكـن هـذا الهـدف صعـب التحقيـق لمـن تعـودوا علـى وضعيـة التهميـش أو علـى ذوي العاهـات أو مـن لـم تتوفـر لهـم حظـوظ التربيـة والتكويـن . والنفقـة فـي سبيـل اللـه مـن أجـل مساعـدة هـؤلاء أولئـك تكـون مقربـة للـه تعالـى لأنهـا رحمـة بهـم ، والراحمـون يرحمهـم اللـه وقـد قامـت فئـات واسعـة مـن مجتمعنـا بالعمـل علـى إغاثـة إخوانهـم المعوزيـن فـي هـذا الشهـر المبـارك بإمدادهـم بمـواد غذائيـة وغيرهـا . ومـن الطبيعـي أن يتـم ذلـك فـي هـذا الشهـر بالـذات وفـي مناسبـات دينيـة أخـرى مثـل عيـد الأضحـى المبـارك لأنهـا محطـات تذكـر باللـه تعالـى أكثـر مـن غيرهـا .
وفـي هـذا الإطـار قامـت الطريقـة القادريـة البودشيشيـة بفتـح أبـواب زواياهـا فـي كثير من المـدن إضافـة إلـى الزاويـة الأم بمـداغ أمـام المحتاجيـن مـن أجـل تنـاول وجبـة الإفطـار أو أخذهـا إلـى منازلهـم في شهر رمضان الكريم كمـا قامـت فـي حـدود إمكانيتهـا الماديـة بتوزيـع مـواد غذائيـة علـى بعـض العائـلات الفقيـرة في العديد من الدول كالهند ومصر ... وهـذا سلـوك متأصـل فـي الصوفيـة سـواء ببلادنـا أو بغيرهـا مـن بـلاد الإسـلام لأن النفقـة فـي سبيـل اللـه تشكـل حـد الوسائـل الأساسيـة فـي التربيـة الروحيـة الإسلاميـة حتـى إن كثيـرا مـن رجـال التصـوف جعلـوا الآيـة الكريمـة شعـارا لهـم ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[الحشر: 9] بـل إن نعـت البودشيشيـة يرجـع غلـى أن الزاويـة فتحـت أبوابهـا مـن أجـل إطعـام كـل مـن كـان يفـد عليهـا فـي إحـدى المجاعـات التـي عرفتهـا المنطقـة الشرقيـة مـن بلادنـا ، وكـان الطعـام الـذي يقـدم للوافديـن مـن "الدشيشيـة" أو مـا يسمـى فـي بعـض مناطـق المغـرب "البلبولـة " حتـى أصبـح الأهالـي يسمـون شيـخ الزاويـة آنـذاك "بودشيشـة " هـذا النعـت الـذي أضيـف بعـد ذلـك إلـى الاسـم العائلـي القـادري والتّي يرجـع إلـى ولـي اللـه تعالـى والعالـم الفـذ " مـولاي عبـد القـادر الجيلانـي" رضـي اللـه عنـه وأرضـاه.
إن الاقتـداء بسيـد الوجـود يعنـي بالتالـي عـدم الانقطـاع عـن العمـل بكـل مـا يقربنـا مـن الخالـق سبحانـه وتعالـى وهـذا العمـل ليـس منافيـا للعمـل علـى تحسيـن أوضاعنـا فـي الحيـاة الدنيـا .
والطريقـة القادريـة البودشيشيـة كاستمـرار للطـرق الصـوفيـة تعمـل علـى زرع التصـوف فـي النفـوس محافظـة بذلـك علـى أحـد المقومـات الأساسيـة للشخصيـة المغربيـة ، وقـد عمـل شيـوخ الطريقـة القادرية البودشيشية ومريدوهـا طيلـة الشهـر الكريـم علـى إطعـام المحتاجيـن بتقديمهـم لوجبـات الإفطـار فـي كثيـر مـن مناطق البـلاد خاصـة بالمـدن الكبـرى المغربيـة ناهيـك عـن الزاويـة الأم بمـداغ ناحيـة بركـان ويكـون هـذا الشهـر الكريـم فرصـة للتضامـن مـع المعوزيـن مـن المنتميـن للطريقـة ومـن غيرهـم.
كمـا تعمـل الزاويـة البودشيشيـة علـى إدخـال البهجـة فـي نفـوس الأسـر المعـوزة فـي كثيـر مـن المناسبـات خاصـة عيد المولد النبوي الشريف وعيـد الفطـر وعيـد الأضحـى الـذي يشكـل المناسبـة الكبـرى حيث يعجـز الكثيـر مـن النـاس عـن شـراء الأضاحـي وإدخـال البسمـة لأطفالهـا الصغـار . ومـن جهـة أخـرى تعمـل الزاويـة علـى تكويـن الطـلاب خاصـة فـي شهـر غشـت الـذي يقـام فـي هـذا الشهـر اعتكـاف بالزاويـة الأم مـا يعـرف باعتكـاف الطلبـة حيـث تقـام دروس فـي عـدة مجـالات غـي علـوم القـرآن والسنـة والتـي يلقيهـا أساتـذة متخصصيـن أمـا فـي فـروع الزاويـة فتقـام فـي كـل موسـم دراسـي دروس لدعـم التلاميـذ والطلبـة فـي العلـوم العصريـة منهـا الرياضيـات والفيزيـاء نذكـر منهـا فـرع وجـدة ، إضافـة إلـى أنشطـة ترفيهيـة لهـذه الفئـة حيـث تقـام رحـلات للترفيـه وإن كانـت قليلـة إلا إنهـا غيـر منعدمـة ، كمـا لوحـظ غيـاب للزاوية فـي الأنشطـة والتـي كانـت تقـوم بهـا فـي السجـون بغيـة الترفيـه عـن السجنـاء .
أمـا فـي المجـال الصحـي فيلاحـظ تحـرك الزاويـة فـي هـذا المجـال حيث تعمـل علـى تنظيـم قوافل طبية تستفيد منها الساكنة بمدينة بركان ونواحيها .