عَامِلٌ لَا يَكَادُ يَخْلُصُ فِي رُؤْيَةِ عَمَلِهِ، فَكُنْ مِنْ قَبِيلِ المِنَّةِ وَلَا تَكُنْ مِنْ قَبِيل العَمَل.
عامل، أي العامل في عبادته لا يكاد يخلص من رؤية عمله لطلبِ الأجرة عليه، فكُن من قبيل المنّة، أي منّة الله وتفضله عليك، لا من قبيل العمل لتسلَم من رؤيته، وتشهد أن لا فاعل ولا موجود إلا الله، فتكون من العارفين، لأنك إن عرفته سَكَنْتَ، وإِنْ جَهِلْتَهُ تحرَّكتَ، فالمُرادُ أَن يَكونَ ولاَ تَكُونَ.
العَوامُ أَعْمَالُهُمْ مُتَّهَمَات والخَوَاصُّ أَعْمَالُهُمْ قُرُبَات، وخَواصُّ الخَوَاصِّ أَعْمَالُهُمْ دَرَجَات.
العوام وهم العُبَّاد الذين هم دون عوام العارفين، أعمالهم متّهمات لطلبهم الأجرة عليها، فهي مشوبة بحظوظهم، وهم كالأجراء إن أعطوا الأجرة عملوا وإلا فلا، والخواصّ وهم الفانون عن حظوظهم أعمالهم قربات لا نظر لهم إلى عمل ولا إلى ثواب بل إلى القرب منه تعالى، وخواص الخواص وهم الفانون في الله بالله لله الباقون من الله لله، أعمالهم درجات يصعدون فيها، فلا يشهدون لهم عملا ولا قربا، بل أفناهم الله عنهم وأبقاهم له لأداء حقوقه.
إن عرفته أنه الفاعل الموجود سكنتَ إليه في حركاتك وسكناتكَ، فإن نطقت نطقتَ به، وإن سمعتَ سمعتَ منه وهكذا، فلا لسان لك ولا أثر، ولهذا قيل : "علامة العارف أن يكون فارغا من الدنيا والآخرة"، وإن جهلته تحركت برؤيتك عملك وبطلب الأجرة عليه، فالمراد من ذلك كله أن يكون هو تعالى عندك، ولا تكون أنت، بل تفنى عن غيره تعالى.