اهْتَدَى الرَّاحِلُونَ إِلَيْهِ بَأَنْوَارِ التَّوَجُّهِ ، وَالْوَاصِلُونَ لَهُمْ أَنْوَارُ الْمُوَاجَهَةِ ، فَالأَوَّلُونَ لِلأَنْوَارِ ، وَهَؤُلاَءِ الأَنْوَارُ لَهُمْ ؛ لأَنَّهُمْ للهِ لاَ لِشَىْءٍ دُونَهُ {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
قال ابن عباد : أنوار التوجه هو ما صدر منهم إلى الله تعالى من عبادات ومعاملات، ومكابدات ومجاهدات، وأنوار المواجهة هو ما صدر من الله لهم من تعرف وتقرب وتودد وتحبب.
فالأولون عبيد الأنوار، لوجود حاجتهم إليها في الوصول إلى مقصودهم، والآخرون الأنوار لهم لوجود غناهم عنها بربهم، فهم لله لا لشيء دونه، وسيأتي هذا المعنى عند قوله : (أنتَ معَ الأكوَانِ مَا لمْ تشْهَد المُكَوِّنَ، فإذا شَهِدتهُ كانت الأكوانُ مَعَك)، قال الله تعالى : {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}[الأنعام:91].
إفراد التوحيد بعدم ملاحظة الأغيار هو حق اليقين، ورؤية ما سوى الله خوض ولعب، وهما من صفات الكاذبين والمنافقين.
قال الله عز وجل إخباراً غنهم : {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}[المدثر:45].
وقال الله تعالى : {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} [الدخان: 9].
تعقيب :
المريد ما دام في السير فهو يهتدي بأنوار التوجه، مفتقراً إليها، لسيره بها، فإذا وصل إلى مقام المشاهدة حصلت له أنوار المواجهة، فلم يفتقر إلى شيء، لأنه لله، لا لشيء دونه.