الجذور والنشأة
1 - الجذور
اختلف الباحثون في بداية ظهور كلمة(التصوف)كاختلافهم في تحديد اشتقاق الكلمة، فهناك من يرى بأن مصطلح (التصوف) له جذور قديمة، وبعض الآخر يرى غير ذلك.
بين الزهد والتصوف: إن الزهد هو أول حركات التصوف في الإسلام، وفد انتشرت حركة الزهد في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم وبعده، وهناك فرق بين التصوف والزهد، فالتصوف زهد في الدنيا لكسب رضاء الله، والزهد بُعد عن الدنيا لكسب ثواب الآخرة، والتصوف دخول في جمال الملأ الأعلى وروحه ورحمته، والزهد دخول في مجال التقوى خوفاً من عذاب الله ونقمته جبروته، والتصوف فلسفة روحية في الإسلام، والزهد منهج عملي من مناهج بعض المسلمين وله نظائر في الديانات الأخرى.[1]
أما عن جذور التصوف، فقد روي عن الحسن البصري: «أدركنا سبعين بدرياً كان لباسهم الصوف ، رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه وقال: يكفيني ما معي».[2]
كما جاء في كشف الظنون : «إن المسلمين بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يتسمى أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول عليه الصلة والسلام ،إذ لا أفضلية فوقها فقيل لهم الصحابة ، ولما أدركهم أهل العصر الثاني سمي من صحب الصحابة بالتابعين ،ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين الزهاد والعباد ، ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق ،فكل فريق ادّعى أن فيهم زهاداً فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة».[3]
وقد أشار الجاحظ في كتابه البيان والتبيين إلى أن القدماء كانوا يسمونهم القراء والنساك والزهاد ،[4]وذكر الطوسي أيضاً في كتابه اللّمع أنّهم يسمون الصوفية فقراء؛ لأن الله عز وجل سماهم فقراء لقوله تعالى:﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ﴾،[5]وقوله أيضاً:﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.[6]
كما يشير عبد الحليم محمود إلى أن التصوف « نشأ مع نشأة الإنسان، والاستدلال على هذا لا يتأتى أن يستند إلى نصوص، لأن نشأة الإنسان كانت قبل الكتابة والتسجيل، ولكنه من البديهي أن الإنسان منذ نشأته يتطلع إلى معرفة الغيب، وإلى استشراف عالم ما وراء الطبيعة، بل إلى الاتصال بذلك العالم عن طريق الوسيلة الصحيحة لهذا الاتصال».[7]
ويضيف زكي مبارك عن قدم مصطلح التصوف فيقول:«التصوف لون من الذوق عرفه العرب قبل الإسلام بأجيال طويلة ».[8]
وبالرغم من كل هذا إلاّ أن بعض الروايات تذكر أن مصطلح (التصوف) لم يسمع منذ القدم، وإنما ظهر في القرن الثاني الهجري عند أهل بغداد مع أبي حمزة البزاز الصوفي (ت 269ه)، وأول من سمي بالصوفي هو أبو هاشم الصوفي (ت 150ه).[9]
يقول ناصر بن عبد الكريم العقل في كتابه دراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف الإسلام منها : «نشأ التصوف في القرن الثاني الهجري ، حيث بدأت بذور الصوفية ، وبدأت طلائعها قبل ظهور الفرق ، ويتمثل ذلك في ظهور الرهبانية والأخذ بالزهد والتقشف ، ويمثل هذا العصر الدور للتصوف ».[10]
كما يرى الدكتور مصطفى حلمي أن:«ومهما كان الرأي في أصل كلمة وتاريخ ظهورها ومدلولاتها، فإننا لا نعرف لها أثراً في الكتاب أو السنة، ويثبت لمن يطالع كتب التاريخ أنّها ما جاءت في كلام الصحابة والتابعين وما عُرفت في خير من القرون ».[11]
والجدير بالذكر أن الطوسي في كتابه اللمع رد على هؤلاء بقوله ":إن سأل سائل فقال : لم نسمع بذكر الصوفية في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم أجمعين ، ولا فيمن كان بعدهم ، ولا نعرف إلاّ العباد والزهاد والسياحين والفقراء، وما قيل لأحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صوفي ، فنقول وبالله التوفيق: الصحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها حرمة، وتخصيص من شمله ذلك، فلا يجوز أن يعلق عليه اسم أشرف من الصحبة، وذلك لشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحرمته، ألا ترى أنّم أئمة الزهاد والعباد والمتوكلين والفقراء والراضين والصابرين والمخبتين...وأما قول القائل :إنه اسم محدث أحدثه البغداديون ،فمحال ،لأن في وقت الحسن البصري رحمه الله كان يُعرف هذا الاسم، وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم".[12]
وعليه، يتبين أن الطوسي كان يرى بأن مصطلح الصحبة أولى بالتقديم من مصطلح التصوف، ولا ينكر وجوده في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولا ريب في أن أصحاب الرسول الكريم، كانوا الرواد الأوائل للروح الصوفية في الإسلام، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حرك فيهم عقيدة التوحيد الصافية النقية، ودعاهم إلى هجر الحياة الدنيا المضطربة الفانية، وحبب إليهم دار الخلود، وأساس هذه المبادئ الإسلامية الخالصة هو الترغيب والترهيب.
** ** **
1 -عبد المنعم خفاجي، الأدب في التراث الصوفي، المرجع السابق، ص 7
2 - المرجع السابق، ص13.
3 - حاجي خليفة،كشف الظنون عن أسامي الكاب والفنون، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، دط ، دت ، ج1، ص 414.
4 - الجاحظ، البيان والتبيين، تح : عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ط6، 1998، ج3، ص 125 وما بعدها .
5 - أبو نصر السراج الطوسي، اللمع في التصوف، تح: عبد الحليم محمود وطه عبد الباقي سرور.
5 -سورة الحشر، الآية .19
6 - سورة البقرة، الآية .666
7 - عبد الحليم محمود، قضية التصوف المنقذ من الضلال.
8 - زكي مبارك، التصوف الإسلمي في الأدب والأخلاق.
9 - التفتازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، مرجع سابق ص62.
10- محمد عبد المنعم خفاجة، الأدب في التراث الصوفي، دط. القاهرة: دت، دار غريب للطباعة، ص14.
11 - ناصر بن عبد الكريم العقل، دراسات في الأهواء والفرق والبدع وموقف الإسلام منها.
12- مصطفي حلمي، التصوف والاتجاه السلفي في العصر الحديث، دار الدعوة، الإسكندرية.