قال ابن عربي : (لا يعرف الموجود على الحقيقة إلا الموجود).
أقول : معنى قوله هذا تأييد لِما ذكرناه من قول السلف : " لا يَعرفُ الله إلاّ الله". إذ ليس موجوداً إلاّ هو. فلا يعرف وجود ذاته إلاّ هو. فمن وصل إلى غاية الفناء في هويته كان ذلك الفناء عين البقاء. فكان موجوداً على الحقيقة، لأنّ وجوده بوجود الله تعالى.
وقد أخطأ جماعة من أرباب العقول في قولهم : " لا يعرف الله إلاّ الله" إذ عَنَوا به أنه تعالى لا يعرفه أحد. وتمارَوْا في غيِّهِم وتمادَوْا في خطئه، ولم يعرفوا قوله تعالى : {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب:23]،وقوله صلى الله عليه وسلم : (إنَّ من العِلمِ كهَيْئةِ المَكنُون). وكلُّ ذلك موارد تعريف من الله بنفسه. فلولا أنه عالم بأنه معلوم ومرئي ومخاطب لَما وردَ على النص لينكره من يجهله، ويعرفه من يعرفه، وبالله موجب قولهم الضالين : بنفي المعرفة إثبات الموجودات مع الله تعالى.
ويتفرع من هذا الإثبات ثنويَّة تدخل على أحديَّة الله تعالى، فمن نفى عن نفسه المعرفة كأنه قال : أنا موجود، والله موجود، لكنه محجوب لا أدركه. وليس مراد الأوائل بقولهم : " لا يعرف الله إلا الله"، مُراد هؤلاء الزائغين. وإنما قصدوا رضي الله عنهم أنه لا يعرف الله إلا من فَنيَ في هويته. وفناؤه عين وجوده، إذ الوجود على الحقيقة لله تعالى.
وبهذا يظهر قول الشيخ، رضي الله عنه : "إنه لا يعرف الموجود على الحقيقة إلاّ الموجود"، إذ ليس في الوجود سوى هويَّة الله تعالى، فمَنْ فَنى فيها إلى حيث نفى الموجود عن جزئيته انطلق عليه الوجود الحقيقي، وهذا عارف بالله.