العامل الثاني : الأحوال السياسية
إن تلك الخلافات السياسية بين المسلمين منذ أواخر عصر الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان لها أثر في مجال الحياة الدينية والاجتماعية للمسلمين، وظهر ما يُسمى بالعصبية كما القبلية، استمرت هذه الخلفات حتى في عصر الإمام علي -كرم الله وجهه- وأدى ذلك إلى انقسام المسلمين إلى أمويين وشيعة وخوارج ومُرجئة، وامتد الصراع بين الأمويين وخصومهم ردحاً من الزمن.
هذا وقد عد المستشرق نيكولسون أن مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بداية للاضطرابات السياسية التي أضرت بالإسلام ،قائلً :« لقد مزقت الحروب الأهلية التي أعقبت هذه الفتنة (مقتل عثمان) الإسلام شر مُمزق ،ولم يلتئم بعد الجرح الذي أحدثته هذه الحروب»، الشيء الذي جعل بعض الصحابة يستشعرون بالخطورة اتجاه هذا الجو المفعم بالخلافات والصراعات السياسية، ما أدى بهم إلى الوقوف من ذلك موقف الحياد والابتعاد عن الفتنة ، واختيار العزلة، وكان قصدهم في ذلك اللجوء إلى نوع من الزهد، وإلى هذا يشير النوبختي بقوله : «من الفرق التي افترقت بعد ولاية علي فرقة اعتزلت مع سعد بن مالك وسعد ابن أبي وقاص،وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وأسامة بن زيد بن حارثة ،فإن هؤلاء اعتزلوا عن علي ، وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه .،.. فسموا المعتزلة ».
ومن خلال هذا الكلام، يتضح لنا أن ذلك الاضطراب في الأحوال السياسية،كان من شأنه أن يدفع بعض المسلمين منذ وقت مبكر إلى إيثار العزلة والعبادة تورعاً عن الانغماس في الفتن السياسية.
العامل الثالث: الأحوال الاجتماعية.
إن حياة المسلمين الاجتماعية تغير تكثيراً عما كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ،حيث امتدت رقعة الفتوحات الإسلامية، وكثرت الغنائم ،وبدأ المجتمع الإسلامي يميل إلى الثراء ،وما ينجر عنه من انحراف خلقي، هذا ما أدى بالغيورين على الإسلام إلى حث الناس على الالتزام بنهج السلف، المتسم بالتقلل والزهد والورع، وعدم الانغماس في الشهوات ،ومن أمثلة أولئك الغيورين على الإسلام أبي ذر الغفاري؛ الذي انتقد حياة اللهو الترف السائدة في عصره ،وحث الناس إلى الأخذ بنهج الإسلام العادل وماكان عليه السلف الصالح.