فلسلفة الرؤية الصوفية، عند المسلمين والمستشرقين.
1 - عند المسلمين :
الفرق بين التصوف والفلسفة :
قال عبد المنعم خفاجي :" تحاول الفلسفة كشف نواميس العلم وفهم حكمة الله وأسراره بمختلف جوانب المعرفة، أماالتصوف فهو محاولة لكشف حكمة الله في شتى جوانب الحياة ،وللحياة مع رحمة الله المنبثة في السماء والأرض، ولشهود جمال الكون العظيم وجلاله،
وتمتّع الروح والقلب بلذّة المشاهدة للصعود عن طريق ذلك إلى رحاب القدس
الأعلى، والعقل أداة التفكر الفلسفي، والروح أو القلب أداة الفهم الصوفي ، لذلك كان التصوف فطرة قائمة في النفس الإنسانية شأنه في ذلك شأن التدين، إذ كانت نشأهتما واحدة وغايتهما واحدة وكان كل منهما مكمّْل للآخر،
فالدين إن خل من التصوف جفت أصوله وذوت أغصانه
وعطبت ثمرته، والتصوف بغير دين سحاب جهام لا مطر معه، وسراب خادع يحيسبه الظمئان ماء".
في بحثنا عن الإطار الروحي للتصوف عند المسلمين، نجد القرآن الكريم سْجلاًّ فذاًّ لتجربة حيَّة وفعّالة في ميدان الألأوهيّة، فقد مزج بين جانب الدعوة إلى تنظيم شؤون الحياة العامّة والأخد بنصيب منها، وبين النّزوع الرّوخي الذي يدعو إلى التأمّل القلبي، قال تعالى : ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾.[الكهف:46].
إن أقرب الآثار الروحية الصوفية إلى أذهان الناس هو القرآن الكريم؛ ذلك الكتاب الذي
بسط القول في وصف الدنيا وذ مها وتحقيرها ، وقضى بأنها لهو ولعب ،وأنها في نضارها ا ليست إلاّ متاع الغرور ، يقول زكي مبارك :" القرآن أقرب الآثار الروحية إلى أذهان النّاس وإن جهلوا ذلك، هم يعدونه كتاب تشريع ، ونراه كتاب تصوّ ف ، إن التشريع في القرآن الكريم ليس إلاّ تنظيماً للعلاقات الدنيوية ، والعلاقات الدنيوية في نظر القرآن هي متهيد للصّلات الرّو حية، صلات الناس بالله الكبير المتعال، وكل مغنملا يُقربُ المرء من ربِّه هو في نظر القرآن ذخر باطل سخيف".
ويرى أبو حامد الغزالي أن المسلمين عادوا "إلى نصوص القرآن والسّنة النبويّة يستخلصون منها نصوص التّرغيب فيما عند الله وابتغاء ثواب الآجلة، ليجعلوه منهجهم في الدّار الفانية، ورأوا الزهد والانصراف إلى العبادة مرقاة الصعود إلى الله والوصول إلى المعرفة الكاملة بملكوت الله ، وهم يوقنون أن أسرار الملكوت التي دنسها حبُّ الدُّنيا التي استغرق أكثر هممها طلب العاجلة، بما فيها من رغد وزينة وجاه وسلطان" ، قال تعالى :﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾[آل عمران : 14].
كما وسّع المسلمون دائرة الوحي، وجعلوه أكثر شمولاً، وهو عندهم حالة من اتّصال النفس الإنسانيَّة بالنفوس الملائكية – التي هي الأفلاك في نظرهم – اتصالاً معنويا تُشرف على ما فيها من صور الحوادث فترتسم هذه الصور في النفس البشرية.
ومن خلال ما سبق نفهم أن الفلاسفة لا يقصرون الوحي على الرسل، الأمر الذي ينص عليه الصوفية، ويعدونه خصيصا من خصائصهم، فهم لا يكسبون علومهم الروحية من طريق التعلم والحواس، بل من طريق القلب، فهم "يرون أن الله قد سطّر جميع ما قضى في لوح محفوظ".