فصل
فإن أشرق نور هذه الكلمة على جزء من أجزائك الفضلية ذهبت ظلمة ما يقابلها من أجزائك العدلية فإن أشرف نور الكلمة مثلاً على السر ذهبت ظلمة الطبع وإن أشرق على الروح ذهبت البشرية على القلب وذهبت ظلمة النفس و كذلك سائرها ، فإن أجزاءك الفضلية في اللطافة بمنزلة الجوهر الشفاف منعكس شعاعه على ما يقابله و يحاذيه، وذلك مثال مصباح في قنديل والقنديل في زاوية مظلمة أو بيت مظلم ، فإن نور المصباح يشرق على القنديل و نور القنديل يشرق على الزاوية المظلمة أو البيت المظلم فإنَّ كلمة التوحيد بمنزل المصباح وجزئك العدلي بمنزلة الرؤية المظلمة أو البيت المظلم، فكذلك نور كلمة التوحيد يشرق على جزءك الفضلي فكما أن نور المصباح يشرق على القنديل و نور القنديل يشرق على نور الزاوية أو البيت المظلم فذلك نور كلمة التوحيد يشرق على جزئك الفضلى ، وجزؤك الفضلي يشرق على جزئك العدلي ؛ وكما أن ظلمة الزاوية أو البيت تزول بمقابلة جزئك الفضلى و نور التوحيد و إليه التوحيد و عليه الإشارة بقوله تعالى :(مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) الآية.
و مما يوضح لك أن المقابلة لها أثر في تعدي النور من محل إلى محل نور الشمس فإنه ينبسط على جدار مثلاً فيستنير بنوره الجدار الذي يقابله ثم يستنير بنور ذلك الجدار جدار آخر يقابل الجدار الأول و على ذلك لا يزال النور يتعدى من محل إلى محل آخر بطريق المقابلة إلى أن يقطع بحجاب كثيف ،فعند ذلك ينقطع التعدي هنا في عالم العينى وكذلك في العالم الغيبي فإن عالمك الغيبى على نحوٍ من عالمك العينى فإن كل ما في عالم العيني يكون فى عالم الغيبى جزء منه ، و لهذا بقال لك العالم الأصغر ، و إذا جاز ذلك فى العالم الأكبر جاز فى العالم الأصغر . فيجوز أن يشرق نور الكلمة مثلاً على جزء من أجزائك الفضلية ثم يتعدى من ذلك إلى سارئرها مثل أن يشرق على الهمَّة فيتعدّى إلى السر ومن السر إلى الروح و من الروح إلى القلب إلى أن يصل إلى سائرها، فإن كل جزء من هذه الأجزاء مقابل لصاحبه و قد بينا أن المقابلة لها أثر فى تعدى الأنوار من نور كلمة التوحيد ، و إنما ينقطع التعدي بحجاب كثيف و هذه الأجزاء لطيفة ليست بكثيفة فينبغى أن يتعدى من الجزء الواحد إلى سائرها فإذا كان هناك حجاب كثيف من آثار أجزائك العدلية فإنه ربما منع تعدي النور إلى ما وراءه و ذلك فى ضرب المثال بمنزلة نور الشمس فإنه فى العالم العلوي فى السماء الرابعة ويصل شعاعها إلى هذا العالم السفلي لأن أجرام السموات رقيقة لا يحجب وصول النور إلى ما وراءها فلو قدّر فى مقابلتها جزء من أجزاء العالم السفلي أو حجاب كثيف كالغيم و غيره يحجب شعاعها عن وصول النور إليك، فعالم وجودك الفضلي بمنزلة العالم العلوي وعالم وجودك العدلي بمنزلة العالم السفلي، فقدر الهمة من العالم الفضلى بمنزلة العرش من العالم العلوي، وقدر الصفات السبع بمنزلة السموات السبع و قدر الصفات من العالم العدلي بمنزل الأرضين السبع . فكما أن العالم العلوي فى غاية اللطافة لا يحجب وصول النور من جزء إلى جزء فكذلك العالم الفضلي فى غاية اللطافة لا يحجب من ورائه وصول النور من جزء إلى جزء ، و كما أن العالم السفلي فى غاية الكثافة يحجب وصول النور من جزء إلى جزء فكذلك العالم العدلي فى غاية الكثافة يحجب وصول النور من جزء إلى جزء .