آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تُحفةُ السَّالِكِين ودَلاَلَةُ السَّائِرِين لِمنْهَجِ المُقَرَّبِين -11

 وأمَّا الإثنى عشر التي في حال الذكر أولها : الجلوس على مكان طاهر كجلوسه في الصلاة، الثاني : أن يضع راحتيه على ركبتيه وإستحبوا جلوسة للقبلة إن كان يذكر وحده، وإن كانوا جماعة يتحلقون لقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾(آل عمران-103). الثالث :  تطييب مجلس الذكر وكذا الثياب، بالروايح الطيبة،الخبر : (تطيّبوا فإنِّي أُحِبُّ الطَّيِبَ ، واللَّه يحبه، وأخي جبريل) الرابع : الملبَس الحلال النظيف ولو شراميط الكيمان، قال السيد البكري في الوصيِّة : وملبسه حلال وأن يُطهِّرَ باطنه بأكل الحلال، فإن الذكر وإن كان ناراً يحرق الأجزاء الناشئة من الحرام ويأكلها إذا كان الباطن خالياً من الحرام والشبه تكون الفائدة أتم وأعظم في التنوير وأبلغ في إلقاء النور على النور، وعند ملاقاة الحرام تذهب الإنارة في التطهير، الخامس : اختيار المكان المظلم إن وجد من خلوة أو سرداب،  السادس : تغميض العينين لتَنسدَّ طرق الحواس الظاهرة وبسدِّها تنفتح حواس القلب الباطنة، السابع : أن يخيَِل شخص شيخه بين عينيه ما دام ذاكراً وهذا عندهم من آكد الآداب، فإن إستغنى عمَّا تقدَّم من الشروط التي لا يستغنى عن هذا الشرط، لأن المريد يترقّى به إلى الأداب مع االله والمراقبة، لأنَّ من لا شيخ له فإمامه الشيطان، الثامن : الصدق في الذِّكر من غير رِيَاء ولا عَجَبَ، بأن يَسْتَوي عنده السِّر والعلانيِّة لخبر : (الإثم ما كان في باطنك وكرهت أن يطلع الناس عليه) التاسع : الإخلاص وهو تنقية العمل وتصفيته من شوائب الرياء، وبالصدق والإخلاص يصل الشخص إلى مقام الصديقية لخبر : ( ما زال العبد يصدق في حديثه حتى يكتب عند االله صديقاً) (صحيح مسلم  عن ابن مسعود)، العاشر : أن يختار من صيغ الذكر لا إله إلاَّ اللَّه، فإنَّ لها أثراً عظيماً عند القوم لا يوجد في غيرها من سائر الأذكار ،وهي المسمَّاة بذكر الأم، فإن فنيت أهويته وشهواته كلَّها فحينئذ يصْلحُ أن يذكر االله بلفظ الجلالة فقط، من غير نفي، وما دام يشهد من الأكوان فذكره بالنفي والإثبات واجب عليه في اصطلاحهم لأنها مفتاح حقائق القلوب ويرتقي السالك بها إلى علاَّم الغيوب، ومن النَّاس من اختار موالاة الذكر بحيث تكون الكلمات كالكلمة الواحدة لا يقطع بينهما خلل خارجي ولا ذهني كيلا يأخذ الشيطان منه، فإنَّه في مثل هذا الموضع بالمرصاد للذاكر لعلمه بضعف السانك عن هذه الأودية لا سِيَّمَا إذا كانَ قريب العهد بالسلوك، قالوا : وهو أسرع فتحاً للقلب وتقريباً للرب، ويكون قصد الذاكر بذكره تهليلات ما في القرآن جميعاً وتلاوتها، وقال بعضهم :  تلاوة المدّ مستحسن مطلوب، لأن الذاكر في زمن المد يستحضر في ذهنه جميع الأضداد والأفراد ثم ينفيها ويعقب ذلك بقول : إلاَّ اللَّه، فهو أقرب إلى الإخلاص وعلى الذَّاآكرَ أن يعرف عقائد الأم وشروط صحَّتِها، الحادي عشر : استحضار معنى الذكر بقلبه على اختلاف درجة المشاهدة في الذاكرين، بشرط أن يعرض على شيخه كل شيء ترقى إليه من الأذواق ليعلِّمَهُ كيفيَّة الأدب فيه، الثاني عشر : نفي كلّ موجود من الخلق حال الذكر، من القلب، سوى االله، بقوله : لا إله الا االله، فإن الحق تعالى غيور لا يحب أن يرى في قلب الذاكر غيره، ولولا أن الشيخ له مدخل عظيم وباب مستقيم في تأديب المريد ما ساغ له أن يخيَّل شخصه بين عينيه، وإنما اشترطوا نفي كل موجودٍ في السكون من القلب، ليتمكَّن لهم تأثير لا إله إلاَّ االله بالقلب، ثم يسري ذلك المعنى إلى سائر الجسد، وقال بعضهم في ذلك  المعنى : 

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى         فصادف قلباً فارغاً فتمكَّنَا

 وأجمعوا أنَّ المريد يجب عليه أن يذكر بقوَّة تامَّة جدَّاً وإجتهاد بحيث لا يبقى فيه متسَّع، ويهتزُّ من مفرقه إلى أصبع قدميه، وهي حالة يستدلون بها الأشياخ على أن المريد صاحب همَّة تامة فيرجى له الفتح عن قريب، إن شاء االله تعالى، وكلُّ من ليس له بداية محرقة ليس له نهاية مشرقة، وإنَّما وجب على المريد الجهر في الذكر، مع ما ذكر، لأن السر والهوينا لا يفيدان رقياً، وقد جاء في الخبر : (اذكر االله حتى يقولوا : مجنونٌ) (مسند الإمام أحمد ٣/٦٨ عن أبي سعيد) فيجب على المريد خلع العذار، وترك الناس وراء ظهره.

 


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية