فصل
اعلم أن السالك له ثلاثة منازل :
فالمنزل الأول عالم الفناء.
و المنزل الثاني عالم الجذبة.
و المنزل الثالث عالم القبضة .
فإذا كنت فى عالم الفناء فواظب على قول " لا إله إلا الله ".
و إذا كنت فى عالم الجذبة فواظب على قول " الله الله الله ".
و إذا كنت فى عالم القبضة فواظب على قول " هو هو هو ".
و إنما كان ذكرك فى عالم الفناء " لا إله إلا الله "، و ذكرك فى عالم الجذبة " الله الله "، و ذكرك فى عالم القبضة " هو هو "؛ لأنك ما دمت سالكاً فى عالم الفناء فالغالب عليك عالم وجودك العدلي، و ما دمت سالكاً فى عالم الجذبة فالغالب عليك عالم وجودك الفضلي فاجعل ذكرك فى عالم الفناء " لا إله إلا الله " لأن المستولي عليك عالم وجودك العدلي و صفاتك المذمومة ،و اجعل ذكرك فى عالم الجذبة " الله الله " ، لأن المستولي عليك عالم وجودك الفضلي و صفاتك المحمودة لأن كلمة " لا إله إلا الله " خاصيتها فى النفي و المحو ، و كلمة " الله " خاصيتها فى التقوية و التنزيه، و ما دمت فى عالم الفناء فأنت إلى النفي و المحو أحوج لأن الغالب عليك الصفات المذمومة ، وما دمت فى عالم الجذبة فأنت إلى التقوية و التنزيه أحوج لأن الغالب عليك الصفات المحمودة .
وأما اختصاص عالم القبضة بقولك " هو هو هو "لأنك متى وصلت إلى هذا العالم فقد ذهبت عنك كدورات صفاتك العدلية و أشرقت عليك أنوار صفاتك الفضلية و اتصل بك تصرّف الحق سبحانه و تعالى من غير واسطة و صِرت معدوماً بالإضافة إليك وموجوداً بالإضافة إليه، باقياً بالإضافة إليه، فاجعل ذكرك فى هذا العالم " هو هو هو "لأن الموجود " هو " و الباقى " هو " .
و معنى قولنا " عالم الفناء " أن السالك والمريد ينفي فيه نفسه ولا يبقي وجوده و يمحو صفاته المذمومة ، ومعنى قولنا " عالم الجذبة " أنه قد وقع فى جذبة المَلَك ، و معنى قولنا " عالم القبضة " أنه وقع فى قبضة الحق سبحانه و تعالى فيتصرف فيه من غير واسطة فهذه منازل السالك .