عنوان المخطوط: حلية الأبدال وما يظهر من المعارف والأحوال.
المؤلف: محمد بن علي الطائي، مُحْيِي الدِّيْن ابن عربي، ت 638 هـ/ 1240م .
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وسلم
الحمد لله على ما أَلْهَمَ، وعلَّمَنا ما لم نكن نعلم، وكان فضل الله علينا عظيماً، وصلى الله على السيد الأكرم، المعطي جوامعَ الكلم بالموقف الأعظم، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإني استخرت الله تعالى ليلة الاثنين الثاني عشر من جمادى الأولى، سنة تسع وتسعين وخمس مائة (599 هـ) بمنزل الرجبة بِالطَّائِفِ؛ في زِيارتِنا؛ عبد الله بن العباس، ابن عَمِّ رسولِ الله صلى عليه وسلم، وكان سببُ استخارتي؛ سؤال صاحبيّ أبي محمد عبد الله بن بدر بن عبد الله الحبشي، عتيق أبي الغنائم ابن أبي الفتوح الحراني، رحمه الله، وأبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني، وفّقهما الله تعالى، أن أقيّد لهما في هذه الأيام أمام الزيارة ما ينتفعون به في طريق الآخرة، فاستخرت الله تعالى في ذلك، وقيّدت لهما هذه الكراسة، وسمَّيتُها: (حلية الأبدال، وما يظهر من العوارف والأحوال)، تكون لهما ولغيرهما عوناً على طريق السعادة، وباباً جامعاً لفنون الإرادة، ومن موجد الكون نسأل التأييدَ والعون.
فصل : الحكمُ نتيجةُ الحِكمة، والعِلم نتيجةُ المعرفة، فمَن لا حِكمة له لا حُكم له، ومَن لا معرفةَ له لا عِلمَ له، فالحاكم العالمُ لله قائمٌ، والحكيم العارفُ بالله واقفٌ، فالحاكمون العالمون لائيون، والحكماء العارفون ثابتون، لما شغف الزاهد بترك دنياه والمتوكل بكلية أمره إلى مولاه والمريد بالسماع والوجد، والعابد بالعبادة والجهد، والحكيم العارف بالهمة والقصد، غاب العالمون الحاكمون في الغيب فلا يعرفهم لا مريد عارف ولا عابد ولا شهدهم متوكل ولا زاهد، فترك الزاهد للعوض، وتوكل المتوكل لنيل الغرض، وتواجد لتنفيس الكرب، واجتهد العابد رغبة في القرب، وقصد العارف الحكيم بهمته الوصول، وإنما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه، وزال عنه إسمه، فالمعرفة حجاب على المعروف والحكمة باب عنده يكون الوقوف وما بقى من الأوصاف فأسباب كالحروف، وهذه كلها علل تعمي الأبصار، وتطمس الأنوار فلولا وجود الكون لظهر العين، ولولا الأسماء لبرز المسمى، ولولا المحبة لما استمر الوصال، ولولا الحظوظ لملكت المراتب، ولولا الهوية لظهرت الأنية، ولولا هو لكان، ولولا أنت لبدا رسم الجهل قائما، ولولا الفهم لقوي سلطان العلم، فإذا تلاشت هذه الظلم وطارت بمرهفات الفنا هذه البهم:
تجلى لقلبك من لـم يـزل به قاطنا في غيـوب الأزل
وما حجب العين عن دركها سواك ولكن بضرب المثل
تبيـن للقلـب أن الــذي رآه به داعيـا لـم يـزل
وجاء خطاب يعـم الكـلام ويبدي سناه رسول المحـل