الفرق بين نار الذِّكر ونار الشيطان ،أن نيران الذكر صافيةٌ سريعةُ الحركة ولا صعود إلى الفوق ..ونار الشيطان فى كدرٍ ودخانٍ وظلمةٍ ، وكذلك ، بطيئة الحركة.
وكذلك يُفرَّق بين النارين بطريق الحالة. ..فإن السَّيَّار إذا كان فى ثقلٍ عظيمٍ ، وضيقِ صدرِ ، وقد تعذَّر عليه الذكر ، ولا ينطلق له القلب ، ولا ينشرح له الصدر، وكأن أعضاءه تُرَضُّ رَضًّا بالحجارة ، وهو يشاهد النار المظلمة ، فهى نارُ الشيطان. وإن كان السَّيَّار فى خفَّةٍ ووقاٍر وشرحِ صدر وطيبةِ قلبٍ وطمأنينة ، وهو مع ذلك يرى نارا صاعدةً صافية ، مثل ما يشاهد أحدنا النار فى الحطب اليابس ؛ فهى نيران الذكر فى فضاء الصدر.
الذِّكرُ نارٌ "لا تُبْقِى وَلا تَذَر" فإذا دخل بيتًا ، يقول : "أنا ولا غير"وهو من معانى "لا إله إلا الله" فإذا كان فى البيت حطبٌ ، أحرقه ، فكان نارًا....وإذا كان فى البيت ظلمة ، كان نورًا ، فأفناها، ونَوَّر البيت..وإذا كان فى البيت نورٌ ، لم يكن ضِدًّ له ، بل ذلك النور أيضا ذكرٌ وذاكرٌ _ومن المذكور _فيصطبحان جميعًا : "نورٌ على نور".
الذِّكْرُ حَقٌّ ، وصفةُ حقٍّ ؛ يُفني الحظوظ ويُبقي الحقوق..فلا مضادَّة بينهم. والحظوظ أجزاءٌ زائدةٌ ، وجوديةٌ، حصلت من الإسراف؛ فتقع فيهنَّ نارُ الذِّكر ، فَيَفْنِيهُنَّ...وأما الأجزاءُ الحاصلة من الحال ، فلايَد له عليهن لأنها حقوقٌ.
فوائح الجمال وفواتح الجلال