قال ذو النون المصري رضي الله عنه : "حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت،حتى لا يكون لك قرار، ثم تضيق عليك نفسك كما أخبر الله تعالى في كتابه : {حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}[التوبة:118] .
وأصل هذه الأبيات قوله في العوارف : وقال بعضهم : الانتباه أوائل دلالات الخير، إذا انتبه العبد من رقدة غفلته أدّاه ذلك الانتباه إلى التيقُّظ، فإذا تيقَّظ ألزمه تيقظه الطلب لطريق الرُّشد فيطلب، وإذا طلب عرف أنه على غير سبيل الحق فيطلب الحق، ويرجع إلى باب توبته، ثم يعطي بانتباهه حال التيقظ، قال فارس : أوفى الأحوال التيقظ والاعتبار . وقيل : التيقظ تبيان حظ المسلك بعد مشاهدة سبيل النجاة. وقيل : إذا صحّت اليقظة كان صاحبها في أوائل طريق التوبة. وقيل : اليقظة حركة من جهة المولى لقلوب الخائفين، تدلهم على طلب التوبة، فإذا تمَّ يقظته نقل بذلك إلى مقام التوبة،فهذه أصول ثلاثة تتقدّم التوبة.
واعلم أنّ ما تقدّم من أول النظم إلى هنا جار في حقِّ كل مسلمٍ، واتخاد الشيخ خاص بمَن أراد الانخراط في سلك عقد هذه الطائفة الشريفة، أعني أنّه قدَّم ما يعم وأتى بعده ما يخصّ، وإلاّ فكوْن الشيخ لا يتخد إلا بعد تحصيل مقام التوبة ليس بضربة لازِب إذ كل وكيف يتفق له، ثمّ إنه لمّا كان الإنسان يتوب أوّلا توبة جُمَلِيَّة اعتقاديَّة فقط ثمّ يأخد في تتبع ذلك تفصيلا، وكان الأخد في ذلك بالتفصيل لا أعون عليه مثل الإسناد لشيخ ربّاني.
التائب في أول أمره يكون متورِّعاً بصوْلَة العزم، وراكباً مطيَّة النَّدم والحزم، فيغفل عنه اللّعين إذ ذاك لمعرفته بخُدَعِ الحرب حتى تنكس صوْلته وتخمد شركته ويرى أنه قد حصل له رُعب لديه ويأمن من كرّته عليه، فعند ذلك يجمع مَرَدته ويحمل عليه حملة واحدة، فإن وجده مستتراً لشيخ ربّاني عالم صمداني داخلاً تحت دائرة نظره، فلا طمع له فيه بل يرتفع من حيث ألمَّ ويحجم من حيث أقدم؛ وإلاّ أخده على الغفلة واستوثق منه وقليل مَن يخلص من يده .