آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التربية النبويّة -7



الرحمة والرفق



وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدعُ على المشركين فقال : "إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً"4، وقال صلى الله عليه وسلم : " أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ."5.

أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في نَفَرٍ مِن قومي، فأقَمْتُ عنده عشرين ليلةً - وكان رحيمًا رفيقًا - فلما رأى شوقَنا إلى أهلينا قال: (ارْجِعُوا فكونُوا فِيهِمْ وعَلِّمُوهُمْ وصَلوا فإذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ وَلْيَؤُمُّكُمْ أكْبَرُكُمْ).6

بل إنه صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة الرحمة ويبين فضلها وخيرها، وأنّ رحمته بهم يجب أن تنتقل فيما بينهم فيرحم بعضهم بعضا، فقال صلى الله عليه سلم : "مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ"7، " تَرَى المُؤْمِنِينَ في تَراحُمِهِمْ وتَوادِّهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَداعَى له سائِرُ جَسَدِهِ بالسَّهَرِ والحُمَّى"8.

وقد قَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ : اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: "لقَدْ حَجَّرْتَ واسِعًا".9

وقَدِمَ الطُّفَيلُ بنُ عمرٍو الدَّوسيُّ إلى نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللهِ إنَّ دوسًا قد عصَتْ وأبَتْ فادعُ اللهَ عليها فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : "اللَّهمَّ اهدِ دَوْسًا وائتِ بِهِمْ".10
فانظر إلى هذه الرحمة العظيمة التي فاح عطرها من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تعليم للصحابة ولكل المسلمين النظر إلى المشرك بعين الرحمة عسى أن يهديه الله تعالى.

وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق في كل الأمور، فعن عائشة رضيَ الله عنها :اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: السَّامُ علَيْكُم، فَقلتُ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقالَ : "يا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأمْرِ كُلِّهِ، قُاْتُ: أَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ قالَ: قدْ قُلتُ وَعلَيْكُم.11، والسام هو الموت.

عن معاوية بن الحَكم السُّلَمي -رضي الله عنه- قال: بَيْنَا أنا أُصلِّي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ عَطَس رجُل من القوم، فقلت: يَرْحَمُكَ الله، فَرَمَانِي القوم بأبْصَارهم، فقلت: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأنُكُم تنظرون إليَّ؟، فجعلوا يضربون بأيْدِيهم على أفْخَاذِهم، فلما رأيتهم يُصَمِّتُونَنِي لكنِّي سَكَتُّ، فلما صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَبِأَبِي هو وأمِّي، ما رأيت معَلِّما قَبْلَه ولا بَعده أحْسَن تَعليما منه، فوالله، ما كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبني وَلَا شَتَمَنِي، قال: «إن هذه الصلاة لا يَصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن».12

وعن أنس بن مالك أن أعرابيا بال في المسجد، فقاموا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لاَ تُزْرِمُوهُ -أي لا تقطعوا عليه بوله-، ثم دعا له بدلو من ماء فصبَّ عليه".12

إن خُلقاً من هذا الطراز الرفيع، ورفقا ورحمة بههذه الربانية السامية، هو الذي أصلح مجتمع الصحابة الأول، فصاروا خير أمة أخرجت للناس، وفتح الله تعالى بها البلاد، وهدى بها العباد، ولهذا القصد قال صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ"13،و"مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ".14

**   **
الهوامش
1 - الأنبياء/107
2 - آل عمران/159
3 - التوبة/129
4 - الأدب المفرد للبخاري، عن أبي هريرة، باب : لعن الكافر.
5 - صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري، كتاب : الفضائل : باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم.
6 - صحيح البخاري عن النعمان بن بشير، كتاب : الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.
7 - المرجع نفسه عن أبي هريرة، كتاب : الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله.
8 - صحيح البخاري عن النعمان بن بشير، كتاب : الأدب: باب رحمة الناس والبهائم.
9 - المرجع نفسه عن أبي هريرة.
10 - المرجع نفسه عن أبي هريرة، كتاب : الجهاد، باب : إذا عرض الذمي وغيرهبسب النبي صلى الله عليه وسلمولم يصرح، نحو قوله : السام عليكم.
11 - صحيح مسلم، كتاب : المساجد ومواضع الصلاة، باب : تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته.
12 - صحيح مسلم عن عائشة، كتاب البر والصلة والآداب، باب : فضل الرفق.
13 - المرجع نفسه عن جرير.



التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية