ثم هذه القصيدة لمولانا الإمام العلّامة الهمام العارف بالله الصادق في محبّة رسول الله أبو عبد الله سيدي محمد بن سعيد حماد بن محسن بن عبد الله البصير.
ولد سنة ثمان وستمائة ، وتوفي بالإسكندرية سنة خمس وتسعين بعمره سبع وثمانون سنة، أخد عن العارف بالله سيدي أبي العباس أحمد بن عمرالمرسي الأنصاري وهو عن القطب الكبير والغوث الشهير مولانا أبي الحسن الشادلي (بالدال المهملة كما في القاموس الحسني)، وهو عن القطب الهمام غوث الأنام مولانا عبد السلام بن مشيش الحسني.
شوهد لهذه القصيدة بركة عظيمة وفضائل كثيرة لأجل ما تضمنه من مدْحِه صلى الله عليه وسلم، فمن فضائلها أنّ مؤلفها بطل نصف جسمه لفلاج أصابه، وهو مرض يحدث في أمر شفي البدن طُولا فبطل إحساسه وحركته، وربي كان في ...المصباح، فنظم هذه القصيدة من بحر البسيط المركب من مستفعل بأعلى ثمان مرّات وعروضها الأولى مخبونة ، وضرب مثلها ليستشفع بها إلى الله تعالى أن يعافيه، فلما نظمت رأى النبي صلى الله عليه وسلّم في المنام فمسح نصفه المفلوج فبرء في حينه ببركته صلى الله عليه وسلم، فلما كان من غير تلك الليلة لقِيَ مؤلفها رجل من أهل الدين والفضل فقال لمؤلفها ، والله لقد رأيت البارحة النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه البُردَة وهو يتمايل كما يتمايل القضيب.
ويُروى أنه قال له : اذهب لمحمد بن سعيد البوصيري وقل له أن يقرأ عليك القصيدة المُباركة التي أولها : "أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَان بِذي" هذا على أنّ المؤلِّف هو الذي قرأها عليه الصلاة والسلام فمسح عليه فبرء من حينه وذلك كله بليلة واحدة؛ لأن المؤلف قال : لم أعلم بها أحد ولم يحفظها غيري قبل تلك الليلة.
ومن أهل الفضل من إذا أصابه رمد شديد فوضعها على عينه وقرئت عليه برء من حينه، ومنهم من حفظها هو وأهله فرأوا لها بركة عظيمة في أنفسهم ودينهم ودنياهم.
وبالجملة فإنها نافعة لزوال الأمراض وقضاء الحوائج وقال شبه ذلك من المنافع، فعلى الإنسان بحفظها والدّوام على قراءتها والتوسل بها إلى بها إلى الله في الحوائج فإنها تُنال ببركة الممدوح بها صلى الله عليه وسلم وشرّف ومجّد وعظّم.
وسُمّيت بردة لحُسنها ورقّة حَاشية، نظمها فشبهت بالبُرْدِ الملبوس فجامع ما قصر به كل فهم من الحُسن والزينة، فإن الناظم رحمه الله زُيِّن بها وكسته شرفاً وفضلاً كما اكتسى صاحب البرد ببرده وزين به، واشتهر بين الناس.
قالوا وهي متأخرة عن الهمزية، واشتملت أولا على براعة المَطلع، وهو أن تفتح القصيدة ذكر ما يلائم المقصود على أسلوبه، مشتمل على فقر متين بل مقامين، أو التلهف والأحزان والاعتراف بالغفلة والعصيان.
ثانيها : التمسك بالموعظة الحسنة والجدال والبر... ثم على أسلوبها آخر مشتمل على سببين على تصحيح الاعتقاد وتحقيق وظائف المبرأ والمعاد وعلى الدعاء والمناجاة والابتهال وإظهار الخوف والرجاء في العاقبة والمآل.