يقول سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه : منذ لبست الأمانة التي أوصى لي بھا سيدي العربي الفشتالي وفھمت ما قال لي ألقى الله في قلبي التشوف إلى العبودية الخالصة فجعلت أبحث عنھا غاية البحث، فما سمعت بأحد يشيخه الناس ويشيرون إليه بالولاية إلا ذھبت إليه وشيخته، فإذا شيخته ودمت على أوراده مدة يضيق صدري ولا أرى زيادة فأتركه ثم أذھب إلى غيره فأشيخه فيقع لي معه مثل ما وقع من ألأول، فأتركه ثم أذھب إلى غيرھما فوقع لي مثل ذلك فبقيت متحيرا في أمري من سنة تسع إلى سنة إحدى وعشرين، وكنت أبيت كل ليلة جمعة في ضريح الولي الصالح سيدي علي بن حرزھم، وكنت أقرأ البردة مع من يبيت به حتى نختمھا كل ليلة جمعة، فلما كان ذات ليلة طلعت ليلة الجمعة كالعادة فقرأنا البردة وختمناھا، ثم خرجت من الروضة فوجدت رجل جالسا تحت السدرة المحررة التي بقرب باب الروضة، فجعل يكلمني ويكاشفني بأمور في باطني فعلمت أنه من الأولياء العارفين بالله عز وجل، فقلت: يا سيدي أعطني الورد ولقني الذكر، فجعل يتغافل عني في أمور أخر فجعلت ألح عليه في الطلب وھو يمتنع، ومقصوده أن يستخرج مني العزم الصحيح حتى لا أترك ما أسمع منه، فلم أزل معه كذلك إلى أن طلع الفجر وظھر الغبار في الصومعة فقال: لا أعطيك الورد حتى تعطيني عھد الله أنك لا تتركه، فأعطيته عھد الله وميثاقه أني لا أتركه، قال وكنت أظن أنه يعطيني مثل أوراد من شيخت قبله فإذا به يقول لي اذكر كل يوم سبعة آالف: "اللھم يا رب بجاه سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم اجمع بيني وبين سيدنا محمد بن عبد الله في الدنيا قبل الآخرة"، ثم قمنا فخلط علينا سيدي عمر بن محمد الھواري قيم الروضة فقال له ذلك الرجل ثم أنشأ في ھذا أوصيك به خيرا، فقال سيدي عمر ھو سيدي يا سيدي، فقال لي سيدي عمر عند خروج روحه وانتقاله إلى الآخرة: أتدري من الرجل الذي لقنك الذكر عند السدرة المحررة؟ فقلت لا يا سيدي، فقال : ھو سيدنا الخضر عليه السلام.
فلما فتح الله علي علمت ما قال لي سيدي عمر ، فبقيت على ذلك الذكر فثقل علي في اليوم الأول فما كملته حتى جاء الليل ثم جعل يخف علي شيئا فشيئا وذاتي تصطحب معه حتى كنت أكمله عند الزوال، ثم جعل يخف علي حتى كنت أكمله عند الضحى، ثم زاد في الخفة حتى صرت أكمله عند طلوع الشمس، وبقيت مع سيدي عمر أحبه ويحبني في الله إلى أن كانت سنة خمس وعشرين فجاءته الوفاة وكنت جالسا معه، فقال: أتدري من شيخي فقلت لا يا سيدي، فقال ھو سيدي العربي الفشتالي ولم يذكر لي أن شيخه سيدي العربي الفشتالي إال وقت خروجه من الدنيا. واحتويت والحمد لله على جميع ما عند سيدي العربي الفشتالي من الأسرار والخيرات بواسطة سيدي عمر عاينت ذلك بعد الفتح، ولم يكن سيدي عمر حاملا لأسرار سيدي العربي بأسرھا إنما كان عنده بعضھا، وتفضل الله تبارك وتعالى علي بجميعھا وزادني عليھا ما لا أقدر على شكره.
وكان سيدي العربي من العارفين بالله عز وجل، وممن يحضر ديوان الصالحين في حياته وبعد مماته،فلا.
وبعد وفاة سيدي عمر بثلاثة أيام وقع لي والحمد لله الفتح، وعرفنا الله بحقيقة نفوسنا فله الحمد وله الشكر وذلك يوم الخميس الثامن من رجب عام خمسة وعشرين ومائة وألف.